مقالي بالمحلق الشبابي الأسبوعي لجريدة المساء المغربية
الرجال المحنكون.. إنهم في كل مكان..
هم رجال وصلوا مرتبة اجتماعية أو سياسية أو أمنية لم يصلها أحد من وسطهم من قبل. وهم يعرفون هذه الحقيقة. لذا تجدهم يتعمدون التصرف ببراعة وحنكة دوما: يقفون بحنكة.. يتحدثون بحنكة.. يدخلون الحمام بحنكة..
الرجل من هذا النوع يبدأ يذاكر أبجديات السياسة الوصولية منذ بداية ظهور زغب شفتيه على استحياء. منذ كان يجلس في ذلك المقهى الشعبي المتهالك في رأس الشارع، ويضع قدما على قدم بخطورة، متجاهلا أن انقطاع الصندل ذو الأصبع الذي يرتديه ليس من الخطورة في شيء، اللهم إلا أن يسقط وتجش رأسه. لكنه رغم كل شيء يعرف أنه سيصل يوما. كل هذه الكائنات المتسخة المتخلفة التي تحيط به الآن هي السلم الذي سيتسلقه ليصل مبتغاه.
يجتمع بالطبقة البروليتارية الفقيرة، فيبدأ بالحديث عن أن الزمن زمن التغيير، وأن البروليتاريا في أوربا هي التي قامت بالثورة حتى وصلت إلى العدالة الاجتماعية. يخبرهم أنه قد آن الأوان لاختيار زعماء التغيير، ويقنعهم بشكل ما أنه أحد هؤلاء الزعماء.
يجتمع بطبقة التجار ليخبرهم بأن الطبقة المتوسطة هي مستقبل البلاد، وأن الحفاظ على مواردهم المادية وتطويرها هو المفتاح، وأنه بحنكته في المجالس البلدية سيحقق ذلك.
تجده داخل الحزب يصرخ والرذاذ يتطاير من شدقه بأن التنظيم أساس العمل الحزبي، وأن التشبيب ضروري للمشي قدما. يقولها وهو ينوي أن يعمر خالدا في المنصب الذي سيصله حتى يعتزل الدنيا.
أما الجهات الأمنية فتعاني على الأرجح من غزارة المعلومات التي يبعث بها متطوعا للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها طبعا.
تجد الرجل عضوا بجمعيات لا تعرف لها نشاطا، وتحمل غالبا أسماء من طراز: “الجمعية الوطنية الديمقراطية لحماية الأطفال الرضع من التشغيل المتعسف والتنمية البشرية”. ففي هذا الزمن السعيد من الضروري إضافة “التنمية البشرية” لاسم الجمعية للحصول على الدعم المادي من المبادرة. كون جمعية “هواة جمع الطوابع البريدية والتنمية البشرية” وستكون لديك فرصة لا بأس بها بالحصول على الدعم.
الرجال المحنكون.. إنهم في كل مكان.. تجد الواحد منهم يتسلح بأعرض جبهة – )سنطيحة( في قول آخر – ويرتدي أكبرمقاس جزمة ممكن، على وجهه طبعا، و يطور لغة خشب أبنوسي معتبرة. فتجده في لقاء تلفزيوني يقول: “إن الإطار البنيوي للتنمية الديمقراطية بالبلاد ينبني على أسس من التواصل البيطبقي، خارج نطاق الحسابات الائتلافية”. هذا ما يسمى بالكلام الكبير! إنه يعرف تماما أن الإعلامية التي تستضيفه ستحرك رأسها علامة الموافقة، مع العلم أنه ذات نفسه لا يفهم كنه هذا “التواصل البيطبقي خارج نطاق الحسابات الائتلافية”.. ستتجاوز الأمر بسرعة لتسأله سؤالا آخر بعيدا تمام البعد.. فيجيب هو بمنتهى الحنكة والبراعة مجددا.
الرجال المحنكون.. إنهم في كل مكان.. لقد مللنا منهم حقا!
الرجال المحنكون.. إنهم في كل مكان.. لقد مللنا منهم حقا!
جميلة التدوينة وفكرتها ..
شكرا على هذا الجمال .
شكرا على الإطراء أخي خالد
ممتآاز..