حينما تقرر أن تمرض في هذه البلاد السعيدة دون أن تكون ابن فلان أو أن تكون فلانًا ذات نفسه، فإن ذلك يكون غير صحي بما تحمله الكلمة من معنى..
بداية، يستقبلك حارس بوابة المستشفى الحكومي بأشنع تكشيرة دبلوماسية ممكنة! ولن تفتح لك البوابة قبل أن تشرح له دوافع زيارتك الموقرة للمستشفى محاولاً إقناعه أنك مريض حقًا ولست هناك للسياحة أو لركوب الخيل قطعًا.. هكذا تروي ظمأ الشعور بالأهمية لديه..
تجتاز اختبار القبول بنجاح، وها أنت تتقدم غير عالم بأن ما ينتظرك هو الأشنع.
يستقبلك ممرض الاستعلامات.. وكأي ضابط استجوابات محنك، يسأل عن اسمك ومهنتك ومحل إقامتك، وربما يطلب بطاقة هويتك للتأكد من أنك أنت ذات نفسك ولست آخرًا.. حاول أن لا تنسى أن تسأله عن وجهتك لأنه لن يفعل بالتأكيد، بل يكتفي بإعطائك ورقة عليها رقم ما ويتركك تحاول استنباط العلاقة الرياضية الفذة التي تربط بينه وبين المكان المراد التوجه إليه..
ورغم توجيهات الاستعلامات الوجيهة، لا مفر لك من الضياع وسط الأروقة المتشابكة كأي متاهة تحترم نفسها. والمشكلة في الأمر أنك طيلة فترة البحث في الأروقة قد لا تصادف ممرضًا واحدًا ينير عتمة مسارك المجهول.
وبعد أن تغرق في التوغل في مجاهل إفريقيا تلك، ستنتبه حتما بعد فوات الأوان إلى تلك العلامات و العبارات الموجهة التي تذكرك بالطرق السيارة :
مختبر.. (للفئران قطعًا)
غرفة العمليات.. (عمليات النصب و الاحتيال قطعًا)
مركز تحاليل الدم (حيث ستجد مصاصي دماء بالتأكيد)
ولا تفاجأ إن وجدت علامة تقول: احذر التساقطات الصخرية على حافة الطريق.. فكل شيء مقبول في مثل ذلك المكان.
تصل أخيرًا أمام غرفة الطبيب العام، وهناك من المؤكد أنك ستجد الشعب كله بين الجالس والواقف بانتظار الدور.. تقف بدورك، و بمرور الوقت تجد نفسك جالسا فوق شي ما لا تدري كنهه.. ربما هي الأرضية الباردة .. تنام، وتستيقظ.. بجانبك امرأة حامل.. تضع حملها.. يكبر الطفل..يلعب بجانبك و أنت تتثاءب بملل..
أخيرًا يأتي دورك.. لا تدري كم قضيت في هذا المكان لكنك داخل غرفة الطبيب أخيرًا..
يسألك بضجر: ماذا لديك؟
تجيب: لدي حمى و غثيان و أحيانًا أشعر بـ…
يقاطعك أن “اصمت فقط فهمت”.. فهم ماذا من مجرد كلمتين؟ هذا ما يعلم به الله فقط.. يكتب فوق ورقة الدواء تشكيلة متنوعة من الأدوية.. تشكيلة كافية لعلاج نزلاء مستشفى كامل على ما يبدو..
تتذكر قول صديق لك في ميدان الصحة: إن الأطباء لا يعطونك الدواء الأرخص أو الأكثر مناسبة.. بل يعطونك الدواء الذي يرون وجه ممثل شركته بكثرة، حيث يتلقون المزيد و المزيد من العينات، والمزيد من الهدايا كالأوراق والأقلام و ما شابه، بمجرد أن يرسلوا المزيد والمزيد من المرضى المطالبين بنفس الدواء في الصيدليات..
تتوجه لأقرب صيدلية.. وبمجرد أن تطالع فاتورة الأدوية التي ستقـتـني سوف تشعر بالتحسن بالتأكيد.. وستتأسف عن عدم أخذك للدواء لأن الحاجة إليه انتفت..
لقد أصبحت منيعًا ضد جميع الأمراض..لن تمرض بعد الآن..
هذا وعدّّ
3 تعليقات