تجاوز المحتوى

الشهر: مايو 2015

في الطائرة (عنوان مبتكر)

كانت رحلتي الأولى على متن الطائرة..

لا شيء يدعو للخجل، لم يتسن لي من قبل السفر خارج البلاد، فلم تكن هناك بي حاجة للطائرة.

حتى هذه كانت رحلة داخلية من الدار البيضاء إلى الداخلة،  وهي للعارفين بخريطة المغرب بمثابة رحلة خارجية بالفعل،  إذ تستغرق بالحافلة أزيد من 24 ساعة.

تعرفون ظاهرة الهجوم على الأمتعة من طرف المتحمسين بالمحطات الطريقية،  والذين يتطوعون في سبيل الله وبضعة دراهم ليوصلوك للشباك المنشود؟  تعرفون هؤلاء؟  جيد..  إنهم متواجدون بمطار محمد الخامس تحت أعين الأمن.  قفز متحمس منهم يجر حقيبتي التي لا تحتاج مساعدة أصلا وتركني وراءه متجها إلى الشباك.
-“هييييه!  إلى أين أنت ذاهب؟ “
-” اريك مكان الحجز وأساعدك”
-“وهل أبدو لك معاقا أو أميا حتى تختطف حقيبتي من أمامي وتفرض علي مساعدة لم أطلبها؟ “
-” غير تعاون معانا”
حلوف مدرع قد يقصمني نصفين،  وبدل أن يبحث عن عمل شريف يسترزق به يأتي ليبتزني نفسيا.
طلبت منه بلطف إجباري أن يترك الحقيبة،  واتجهت إلى الشباك الذي لم يكن يبعد بأكثر من عشرة أمتار.
قدمت بطاقة تعريفي الشخصية،  ووضعت الحقيبة في الميزان لأصاب بصدمة.  ثلاثة كيلوغرامات زائدة عن الوزن المسموح به.  ياللصوص!  إن الميزان متلاعب به، فقد قمت بوزن الحقيبة قبل الحضور. أذكر في مطار أكادير أن وزن حقيبة زوجتي قبل سفرها كان زائدا بثلاثة كيلوغرامات أيضا عن الوزن الذي حسبناه،  مع فرق أنها بتلك الزيادة لم تكن قد تجاوزت الوزن المسموح.  سألت الموظف وجه حانق عن الزيادة التي علي دفعها فكانت أكثر من 500 درهم  (فوق 60 دولارا). أيها اللصوص الملاعين! فتحت الحقيبة وأخرجت قرص صلبا وحقيبة صغيرة لأغراض الاستحمام. بقي كيلوغرام آخر زائد..  كنت أنتظر أن يعترض لأنفجر في وجهه وأطلب مقابلة المسؤول كي أفهم هذه المهزلة.  يبدو انه استشف خطرا من ملامح الشر المستطير البادية علي،  ولعن الشيطان.
دفنت القرص الصلب الضخم دفنا في حقيبة الكمبيوتر،  وحملت الحقيبة الصغيرة في يدي كأية فتاة محترمة.

واتجهت إلى شيء أشبه بكافيتيريا مفتوحة وسط بهو الانتظار. سألت عن الاتصال اللاسلكي..  لا شيء..  بينما هنالك دول تتحدث عن أن الاتصال بالأنترنت يجب أن يصبح حقا لكل مواطن،  وتنتشر مشاريع مدن كاملة التغطية بشبكة أنترنت مجانية للجميع،  لا يزال على الزبون في مطارات المغرب أن يبقى جالسا بالساعات بالمطار دون اتصال يقضي به أغراضه. الشبكة الوحيدة المتوافرة هي شبكة مغلقة خاصة بالمكتب الوطني للمطارات.
كنت قد توقعت شيئا من هذا القبيل لذا عبأت مسبقا موديم اتصالات المغرب من الجيل الثالث ما قبل التاريخ، ثم جلست أعذب نفسي بمحاولة تحميل المواقع، و أحتسي كوب القهوة الذي سيخرب ثمنه بيتي حتما.

تجاوزت الحاجز الأمني دون مشاكل، رغم ربطة الحزام الحديدي الذي أرتديه، ثم أخذونا بباص صغير إلى الطائرة التي لا تختلف عنه كثيرا. ذلك التشابه المريب جعلني أتساءل إن كانت هذه الطائرة تحلق أم أننا سنسير برا.

كان لدي انطباع لطيف عن مضيفات الطيران الجميلات الطيفات (الله يلعن أبو الأفلام التي رفعت المعايير)، لكن الطاقم الذي صادفته لم يكن من هذه النوعية للأسف.
لم تفتني الفرصة لأتذكر الفنان الساخر الجميل جاد المالح و( les gestes approximaticf) مع حركات المضيفة المبهمة، والتي تتظاهر بأنها تشرح تعليمات السلامة الصادرة عن الميكروفون. في الحقيقة يبدو الأمر وكأنها تحاول الهاء الركاب عن الاستماع.

ورائي تماما كان يجلس شاب مجاورا فتاتين يحاول أن يشرح لهما كم هو رائع ولماذا عليهما أن تغرما به، وكيف أنه يذهب لسويسرا كل سنة، و في أروبا والدول المتقدمة… الخ.

أتى وقت الطعام على ما يبدو.. وضعت المضيفة أمامي اسفنجتان ومشروبا. ولسان حالي يقول: “أنا عايز عيش عشان اكله، مش عشان أحلف عليه! “.
wpid-20150525_154550

تسليت بمضغ تلك الأشياء من باب تجزية الوقت ليس إلا، في حين كان صديقنا الشاب قد وصل إلى فصل الأكل في طائرات الشركات الأجنبية.. تذكرت(جاد المالح) من جديد :” On va manger de la meeeerde”.( مع الاعتذار للاخوة غير الفرانكفونيين والذين لم يروا العرض).

عند الوصول، وبعد المرجو ربط الأحزمة والذي منه. نزل الطيار باصطدام شديد للعجلات مع الأرض، فصرخت الفتاتان وبعض الركاب. أما جيمس بوند الذي ورائي فقد قال بصوت عال وهو يصفق: “لقد كان هبوطا جيدا يجب أن تصفقوا على الطيار!”.

بالتأكيد حينما عدت بالطائرة من جديد ورأيت بأم عيني ما معنى الهبوط الجيد، تأكدت من أن الأخ حمار كبير مدع.

4 تعليقات