تجاوز المحتوى

A FEW GOOD MEN

A FEW GOOD MEN
(1992)

قد يكون دور (دانيال كافي)، خريج جامعة (هارفارد) والمحامي بالقوات البحرية الأمريكية، من أروع الأدوار التي أداها (توم كروز).. وبل ربما أروعها على الإطلاق.. دور منطلق واسع سمح له بإبراز قدراته التشخيصية الفذة التي مكنته من أن يلبس ثوب شخصية متقلبة، رقصت على إيقاعات مختلفة طوال أحداث الفيلم.. وربما يمثل مشهد (دانيال) وهو سكران إحدى أروع لقطات الفيلم، حيث لعب (توم) الدور بحرفية شديدة بعيدة عن المبالغة المألوفة في مثل هذه اللقطات، كتغيير الصوت والترنح وما شابه.. بل، وعلى العكس من ذلك تماما، لعبه على طريقة الشخصية التي لم تفقد اتزانها التام بعد.. فكان طبيعيا في وتيرة حديثه، لكنه تلاعب بالإيقاع والشكل بطريقة أبدت بوضوح أنه غير طبيعي..كل ذلك في قمة الحرفية..

(دانيال كافي).. ابن قاض عسكري شهير توفي منذ سبع سنوات..
اتبع الفتى طريق والده، بل وفاقه حنكة وبراعة.. فبعد أقل من سنة من التخرج والالتحاق بقوات البحرية، كان قد ربح سبعا وأربعين قضية تخفيف حكم عسكري بنجاح تام.. لكن الأمر كان مختلفا هذه المرة.. فالقضية الجديدة التي كلف بها لم تكن ببساطة وسهولة كل ما سبق.. ناهيك عن أنه لم يقف قط بمحكمة ليترافع من قبل..

المتهمان في القضية جنديان من قوات (المارينز) التابعة للقاعدة البحرية (غوانتانامو B ) بكوبا.. والتهمة قتل جندي تحت إمرتهما بمنديل مسموم بعد تكبيله..

(جوهان جالوي)، محامية أخرى بقوات البحرية، كان عليها أن تتحمل التعامل مع (دانيال)، بعد أن رفض المسئولون تكليفها بالقضية. وقد أدت الدور الممثلة (ديمي مور) التي أصر لسبب ما أنها (كاترين زيتا جونز) فقط، وقد تلاعبوا بمكياجها قليلا كي تبدو بهذ الصورة..

ماذا سيكون انطباع (جوهان) عن محام شاب حديث التخرج، دخل عليها مكتبها وهو يقضم تفاحة طازجة، ويرافقه مساعد يخبره دوما بالتفاصيل التي يجهلها، وهذا ما يحصل طيلة الوقت؟ شخص يصل زبوناه صباحا إلى السجن في الوقت الذي يكون فيه مشغولا بالتدريب على (البيزبول).. لذا لم يكن منها إلا أن حصلت على توكيل من القريبة الوحيدة لأحد الجنديين بالدفاع عنه، مما جعلها و (دانيال) في سلة واحدة رغم أنفه.

يتضح فيما بعد أن الحادثة كانت غير مقصودة، و أن الهدف الوحيد للجنديين كان تأديب العسكري المتوفي بأمر من الجنرال (نيتون جيسوب) قائد قوات (المارينز) بالقاعدة..
ويسقط (دانيال) في فخ إثبات الحقيقة في ظل سلطة الجنرال الواسعة، ومكانته السياسية المرتقبة..
وكان الصدام الأول بين فريق المحاماة والجنرال الذي أدى دوره (جاك نيكلسون) باقتدار شديد، مثيرا بحق.. حيث ظهرت سلطوة الجنرال واعتزازه بنفسه، واقتناعه السايكوباثي بأنه حامي حمى البلاد من الخطر الكوبي..

وتبدأ لعبة المحاكم.. ووسط ضعف أدلة النفي، وموقف الجنديين الحرج تبرز موهبة (دانيال كافي) في التلاعب بمشاعر الجميع، بطريقته الفذة في المرافعة، وحس الفكاهة الذي لا يعوزه في المواقف التي تحتاج ذلك.. وفي النهاية يضطر إلى استدعاء الجنرال شخصيا للشهادة رغم عدم توفره على الأدلة الكافية لاتهام شخص ذو رتبه عسكرية رفيعة، وهو ما قد يؤدي إلى متابعته قضائيا بسبب اتهام غير مبني لضابط رفيع.. فماذا يحدث بعد ذلك؟ يمكنكم أن تبحثوا عن الفيلم لو كنتم مهتمين!!

الفيلم يجسد بوضوح الفرق الخطير بين تنفيذ الأوامر العسكرية و بين الإنصات إلى الضمير.. صراع مبادئ، حيث تصطدم قيم الشرف والرموز العسكرية بالقيم الإنسانية..
قصة وسيناريو ممتازان، واختيار موفق للمثلين الرئيسيين، والذين دعموا بممثلين مساعدين أكفاء من طراز (كيفين بولاك) و (كيفين باكون) و (كيفر ساذرلاند) الذي لمع بسلسلة (24h Chrono).. ناهيك عن مخرج متميز ك(روب رينر)، من النوع الذي يعطي الممثلين حرة وانطلاقا كبيرين لإبداع الشخصية التي يلعبونها..

الخلاصة: فيلم يستحق المشاهدة..

تعليقات على الفيسبوك

Published inفنون

5 تعليقات

  1. Sarah Sarah

    بالفعل فيلم رائع من أكثر الأفلام التي أحببتها!
    جاك نيكلسون أبدع فيه حقاً.. بتظراته الذئبية و اعتداده البالغ بنفسه .. توم كروز أيضاً أدى دوره ببراعة..
    أجمل مشهد هو مشهد استجواب (كافي) لـ (جيسيب) .. كريشندو مبهر بالفعل!

    شكراً على المقال الجميل

  2. مرحبا سارة..

    الحقيقة أن الفيلم قد أثر بي كثيرا لدرجة أن هذه أول مقالة سينيمائية أكتبها..

    لقد افتتحت شبكة مدارات مؤخرا مدونة سينيمائية يشترك بها العديد من الكتاب.. لم أبدأ نشاطي بها بعد، لكن ذلك قريب..
    لو كنت مهتمة بالسينما كثيرا هذه هي الوصلة:

    مدونة السينما

  3. محمد محمد

    ليس المهم ما تؤمن به….المهم ما تستطيع اثباته…!!

  4. جاك نيكلسون في رأيي رغم دوره القصير نسبياً في الفيلم كان ابرع من توم كروز بمراحل على الرغم من عشقي الشخصي لتمثيل توم كروز وادواره كدور جيري مجواير .. ولكن هذا ليس موضوعنا ..
    الفيلم رائع بالفعل.. وان كنت اتعاطف مع جاك نيكلسون فعلاً .. احيانا في الحياة العسكرية نضطر لاجراءات غير طبيعية وغير انسانية كذلك لاجل الحفاظ على النظام ..
    بالمناسبة انت قلت .
    “بأنه حامي حمى البلاد من الخطر الكولومبي.”
    الخطر الكوبي .. جوانتانامو تقع في كوبا ..

    تحياتي عصعص

  5. تعليقات اخرى من غياهب المدونة لم اعلق عليها في فترة اختفائي الشنيعة..
    ما علينا..

    محمد:
    مبدأ واقعي جدا في عالم المحاماة بالفعل..!

    محمد النقيب:
    بالتأكيد.. جاك نيكلسون كان بارعا جدا، كأغلب أدواره عادة، وإن كنت أظن أن التحكم بالأدوار الانفعالية المتقلبة أصعب بمراحل من الدوار التي تتطلب برودة أو كبرياء أو هدوء في الأداء.. لذا لا أظن جاك تفوق على كروز بمراحل كما تقول..

    ومسألة الخطر الكولومبي مجرد سهو.. لاحظ انني قلت من قبل : “المتهمان في القضية جنديان من قوات (المارينز) التابعة للقاعدة البحرية (غوانتانامو B ) بكوبا..”

    سأصلح الخطأ الآن.. شكرا للتنبيه!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.