تجاوز المحتوى

الشهر: يناير 2006

الحلقة الأولى: أوكاياسو خيري

ما قبل المقدمة
أمير الفرس: تقديم

ها قد حانت لحظة الحقيقة..
والحقيقة الوحيدة هنا هي أخذ القدمين نحو العنق حسب التعبير الفرنسي، أو إطلاق الساقين للريح حسب التعبير العربي..

لقد ظهر وحش (الداهاكا) أو وحش الضحكة، كما ينطقها (خيري) متهكما على لفظة (DAHAKA)..
و (الداهاكا) لمن لا يعلم هو وحش يحمي رمال الزمن.. وحش أسطوري لا يرحم..
لقد انتهك أمير الفرس حرمة هذه الرمال.. فوجب عليه الموت!

يمكننا أن نفهم نوعا ما سبب هذا الركض المحموم الذي يمارسه الأمير فوق شريط صخري ملتصق بحائط شبه متهدم، مطل على حافة هاوية سوداء بدون قرار..
التفاتة واحدة منه إلى الخلف تجعله يجفل و يكاد يفقد توازنه.. لم يكن المشهد المهيب لأذرع أخطبوطية تنبع من صدر (الداهاكا) محببا لو لاحظنا أنها تخترق كل شيء بلا رحمة.. حتى الجدران و الحواجز الصخرية..
ستلحق الأذرع بالأمير لا محالة، فهاهي ذي نهاية الشريط الصخري تبرز معلنة نهاية اللعبة..

لم يكن الوضع يسمح بإنهاء حياة الأمير بهذه الطريقة، فهذا ممل حقا لو نظرنا إلى المسافة الكبيرة التي عليه أن يقطعها من جديد لو توفي.. يمكنكم أن تفهموا مثل هذه الأمور طبعا..

فجأة تباطأ كل شيء، و بدأت المسافة بين الأمير والوحش تتمدد.. إنها قدرة تبطيء الزمن السحرية التي اكتسبها الأمير مؤخرا.. صحيح أنها تستهلك كرة رمال سحرية في كل مرة، لكن هذا لا يهم.. فلا يحتاج الأمير سوى قتل عدو ضعيف حتى يحصل على كرة أخرى و بدون دفع أي رسوم أو ضرائب..

إنه الآن في مواجهة الحافة الشريط غير المكتمل.. لقد دمر منه جزء يتجاوز الست أمتار، ولن يتمكن من القفز المباشر.. لذا اندفع بمحاذاة الجدار الصخري، و حينما وصل الحافة قفز راكضا بشكل أفقي فوق الجدار مصارعا الجاذبية بشكل مبهر.. و بالكاد استطاع الوصول بصعوبة إلى الطرف المقابل من الشريط المتهدم.. واندفع يركض من جديد..

لقد انتهى مفعول قدرة تبطيء الزمن.. (الداهاكا) يقترب من جديد، و خزان الكرات السحرية قد فرغ..

لا وقت للالتفات إلى الوراء.. فحينما يظهر (الداهاكا) يبقى النشاط الوحيد المسموح به هو الركض..

الطريق مسدود هذه المرة بجدار صخري مقابل.. سيصل الأمير إلى الركن بعد لحظات.. وعليه هذه المرة أن يجد الوسيلة للوصول إلى الضفة المقابلة عبر الهوة السوداء.. لم تكن المسألة هذه المرة مسألة أمتار، بل العشرات منها..

لفتت انتباه الأمير سلسلة أنابيب معدنية بارزة من الحائط المقابل من النوع الذي تعلق فيه الرايات.. و كانت ترسم طريقا نحو الضفة المقابلة.. عليه فقط أن يتحول ببساطة إلى قرد..

إن السبيل الوحيد للوصول إلى أول أنبوب هو الاعتماد على الجدار المقابل له.. لذا اندفع الأمير نحو الجدار مباشرة، وقفز ليقوم بأربع خطوات عمودية عليه، قبل أن يثني ركبتيه مستندا عليه، ثم يفردهما مجددا مستغلا ردة فعل الجدار ليقوم بقفزة جبارة، و يصل الأنبوب..

لا وقت لالتقاط الأنفاس.. تأرجح قليلا على الأنبوب و هو متعلق إليه بقبضتين من حديد، ثم قام بدورة كاملة كلاعب جمباز محترف ليحصل على قوة دفع ملائمة، وأفلت قبضتيه مندفعا نحو الأنبوب الموالي.. واستمر بنفس الطريقة حتى وصل إلى الضفة المقابلة..

تظن أن (الداهاكا) توقفه الهوة الضخمة؟ تكون مغفلا لو اعتمدت على ذلك..
هو لا يتمتع بلياقة بدنية كلياقة الأمير.. لن يفز بحركات بهلوانية.. لكنك دوما ستجده خلفك طالما كان يطاردك..
لا وقت للتساؤل عن الأسباب ومناقشة الإمكانيات إذن.. إنه الفرار المتواصل من جديد..

في هذه المرة، يقترب الأمير من بوابة الرمال الزمنية.. عليه أن يعبر مدخلا صغيرا ستارته حاجز مائي رقيق اخترقه الأمير بسرعة.. و اندفعت وراءه الأذرع الأخطبوطية.. لكنها توقف بمجرد لمس الستارة المائية.. أبخرة خانقة تصدر منها مصحوبة بصرخة ألم من (الداهاكا) الذي سحب كل أذرعه حانقا..

هنالك شيء يحد من قدراته إذن.. هناك شيء يؤلمه.. الماء عدوه الأول.. رائع!

عب الأمير الهواء بجرعات كبيرة، و اتجه نحو حوض المياه الجانبي ليجرع ما استطاع..

وفجأة، و الأمير يشرب، ظهرت نافذة عليها عبارات:

Save game ?

Yes

No

كل الوصف السابق مقتبس من لعبة « Prince of Persia (warrior withing) »

حفظ خيري اللعبة، و نزع عن رأسه خوذة اللعب السوداء المتطورة.. فرك عينيه حتى كاد يفقؤهما، ونفض رأسه محاولا إزالة تأثير الانبهار باللعبة..
كم هي رائعة هذه التكنولوجيا الجديدة.. لقد مضى عهد الخوذة ذات المجسات التي تحتاج إلى حركة مواكبة.. نحن الآن في عصر القوة العقلية التي تحرك كل شيء.. بل إن النظام يقنعك تماما بأنك تتحرك و تتألم أيضا.. تختلف درجة الألم بالتأكيد عن الألم الحقيقي، لكنها كافية لجعلك تحاول تفاديها ما أمكن.. و هنا تكمن روعة اللعبة..

– “(خيري)! الإفطار جاهز..”
كان هذا صوت والدته ينفجر كالعادة من الطابق السفلي ككل صباح.. غنها تملك مدفعا لا حنجرة..
اختطف سترته المدرسية السوداء، و لملم أوراقا مبعثرة فوق مكتبه داخل حقيبة بنية.. ثم ركض نحو السلالم.. كان يكره الطرق التقليدية، لذا امتطى الحاجز الخشبي للسلالم و تزحلق فوقه مطلقا صرخة مرحة على غرار رعاة البقر الأمريكيين:
-“ياهوووووووووووه!!”

تفرقع صوت أمه الحانق من جديد:
– “(خيري)!!.. ستتهشم عظامك يوما.. صدقني!”

ابتسم الفتى و قال متهكما:
-“بالتأكيد..”
-“ابتلع لسانك و أفطر بسرعة لتلحق بدروسك قبل أن أتكفل بتهشيم عظامك بنفسي!”

أطلق (خيري) ضحكة مكتومة و غمغم:
– ” أريد فقط أن أفهم كيف تزوج أبي بكل هدوئه هذا الإعصار المدمر الغاضب دائما و الذي يدعى امي!”

سكن البيت فجأة بعد عبارته الأخيرة.. أرهف السمع بحذر، فخيل إيه انه يسمع صوت شيء يحترق..
صوت خطوات راكضة من قلب جهنم، ثم ظهور خرافي لجسد والدته المشتعل في رواق المنزل وهي تطير تقريبا باتجاهه، و في عينيها التمعت نظرة حمراء غاضبة..

اختطف شطيرة جبن ومربى من فوق المائدة، واندفع يفتح البوابة الخشبية الكبيرة، قبل أن يطلق ساقيه للريح عبر الحديقة المنزلية الشاسعة.. كانت البوابة الحديدية الكبيرة مغلقة، ولم يكن ليتمكن من فتحها قبل أن تطبق أمه على رقبته.. لذا اتجه نحو السور العالي، وقفز نحوه بكل قوته.. استطاع أن يقم بثلاث خطوات عمودية أوصلته يديه إلى القمة، فتعلق بها ودفع جسده نحوا الأعلى، ثم قفز إلى الناحية المقابلة..
توقف ليلتقط أنفاسه المنبهرة للحظة، وتطلع إلى علو السور برعب، ثم ما لبث أن صرخ بنشوة.. لطالما راقته هذه الحركة في لعبة أمير الفرس، لكنه لم يظن قط أنها بهذه السهولة..

وانطلق يطوي الطريق خلفه..

* * *

– ” توقف عن البصاق في قفاي يا (تونو)! ”
– ” أنا لم أبصق في قفاك.. لقد عطست فقط.. ”
– ” إذن فأنت أول إنسان يمارس العطس من بلعومه.. ”
– ” وهل هناك أحد لا يفعل يا (شيكي)؟ ”
– ” كل الفيلة لا تفعل يا (تونو).. لكنك كسرت هذه القاعدة على ما يبدو.. ”
– ” بالتأكيد.. هذا لأنني… مهلا!! ماذا تعني هنا؟ هل تلمح إلى أنني بدين كالفيل؟ ”
– ” أنا لا ألمح.. أنا أجزم! ”
– ” سأحطم عظمتاك اللتان تفخر بكونهما جسدا.. ”
– ” و أنا سأفرغ جسدك المنتفخ من الهواء بشكة دبوس.. ”
– ” ماذا يجري هنا؟ ”
التفت الفتيان إلى صاحب العبارة التي ظهر على بوابة الفصل في اللحظة التي أطبق فيها كل منهما على ياقة الآخر.. فقال (شيكي) البدين:
– ” من هذا المغفل؟ ”
أرخى (تونو) ياقة صديقه، و ألقى نظرة جذلة على الرجل قبل أ يهتف:
– ” يبدو أنه المدرس الجديد.. ”
تراجع (شيكي) ليجلس في مقعده قائلا:
– ” وهل يعطه هذا الحق بالتدخل فيما لا يعنيه؟ ”
استرخى (تونو) فوق مقعده بدوره وهو يجيب:
– ” بالتأكيد.. هذا من حقه.. ”
ثم وسع ابتسامته بشكل مبالغ به حتى حاكى وجه (ماك دونالدز) وهو يضيف:
– ” مؤقتا.. ”

كانت الجلبة لا تزال تجتاح جوانب الفصل رغم أن المدرس الجديد كان قد دخل بالفعل و بدأ يرتب أدواته..
طرق في البداية بظهر أصبعه على سطح المكتب..
– ” بلابلابلابلا…”
طرق بقبضته..
لا استجابة سوى:
– “بلابلابلابلا…”
زاد من قوة الطرق..
– ” بلابلابلابلا … ”
ارتفعت درجة احمرار وجهه. فرد راحته وضرب السبورة بكل قوته..
صمت..
وجوه تحدق فيه بملامح حملت قدرا من اللامبالاة يكفي لاستفزاز شعب من المدرسين..
ثم..
– ” بلابلابلابلا… ”
عاد الجميع للبلبلة كأن شيئا لم يكن..
هنا وصلت درجة احتمال المدرس إلى الصقيع فانفجر:
-” اصمتوا أيها الأوغااااااد!!! ”

هنا انقسم المشهد إلى ثلاث لقطات: منظر المدرس يلهث من فرط العصبية وهو يلعن في سره هؤلاء الشياطين الذين استفزوه لينطق عبارة غير تربوية كهذه.. ثم مشهد الشياطين أنفسهم وهم يحدقون بذهول في هذا المدرس الذي جرؤ على اللعب في عداد عمره.. و أخيرا، مشهد (خيري) المتأخر وهو يفتح باب الفصل ليفاجأ بالموقف السابق..

أراد (خيري) أن يعود أدراجه لكن المدرس صرخ فيه:
– ” أنت! تعال هنا! ”
تطلع الفتى حوله فلم يجد (أنت) آخر غيره.. فأشار بأصبع متسائل نحو نفسه..
– ” أجل أنت! ”
تنحنح (خيري) وهو يقول:
– ” آسف.. يبدو أنني أخطأت الفصل.. ”

هتفت فتاة من مؤخرة الفصل:
– “مرحبا (كايري)!! ”

قد ينتبه أقوياء الملاحظة منكم إلى الشبه الشديد بين (كايري) و (خيري).. الحقيقة أنهما اسمان لنفس الشخص..(كايري) اسم ياباني و ليس مجرد تحوير لاسم (خيري) العربي.. ربما لها السبب اتفق أبوه الياباني و أمه اللبنانية على اسم مزدوج كهذا..
ابتسم (خيري)، وفي قول آخر (كايري)، بارتياح وهو يرفع يده ليرد التحية.. ثم أدار بصره في الفصل قبل أن يهتف:
– ” هذا فصلي بالتأكيد ما لم يبدؤوا باستنساخ البشر على نطاق واسع مؤخرا.. ”
ثم أشار إلى المدرس بإبهامه وهو يضيف:
– ” ما مشكلة هذا المغفل إذن؟ ”
واستدار متجها إلى مكانه، إلا أن يدا غليظة أطبقت على قفاه، و أحس بجسده يرتفع بضع سنتيمترات عن الأرض قبل أن تطالعه عينان قدتا في سقر..

* * *

كان مدير المدرسة الإعدادية الخاصة، السيد (فوجي موتارا) يقوم بجولة تفقدية، فخطر بباله أن يلقي نظرة عابرة على المدرس الجديد الذي ورطه مرغما في تدريس الفصل الكارثة..
توجس شرا وهو يقترب من بوابة الفصل الذي تم عزله عن بقية الفصول لأسباب خاصة.. فغمغم:
– ” يبدو أنه كان علي تحذير (أوزوماكي) كي يستعد نفسيا على الأقل.. ”
كان الهدوء يسود المكان رغم انه وصل تقريبا إلى باب الفصل، فمد يدا مترددة كي يقرع الباب.. وقبل أن يتمكن من ذلك اخترقت مجموعة من السكاكين و السواطير خشب الباب من الداخل، وبدت أنصالها تطل من الخارج بتشكيلة هندسية مرعبة..

منع المدير قلبه من القفز من فمه، ومد يده بسرعة ليدير مقبض الباب و يفتحه ملقيا نظرة خاطفة داخل الفصل، وتراجع ليحتمي بالجدار.. و لما لم ير خطرا عاد ليطل من جديد فكان كل شيء على ما يرام.. التلاميذ في أماكنهم يتطلعون إليه بهدوء بريء و كأن شيئا لم يكن.. لكن تفصيلة صغيرة كانت تنقص المكان.. تفصيلة قفزت إلى لسانه على هيئة سؤال:
– ” أين السيد (أوزوماكي)؟ ”
ابتسم (تونو) ببراءة وقال:
– ” تقصد المدرس الجديد؟ ”
أومأ المدير برأسه إيجابا فأشار الفتى إلى الباب.. التفت المدير ليجد المدرس الشاب معلقا من ملابسها بالسكاكين و السواطير التي لم يخترق احدها جسده لحسن الحظ.. فابتلع غصة كبيرة كادت تخنقه، وخلص المدرس الذي لم يصب بأذى جسدي على الأقل، لكن الأذى النفسي كان يصرخ من عينيه الزائغتين..
جره المدير تقريبا إلى خارج الفصل، و أغلق الباب الذي لم يعد كذلك.. ثم..
– ” إنهم سفاحون! ”
كانت صرخة أخيرة من حنجرة المدرس المتحشرجة.. فربت المدير على كتف بتعاطف، وقال:
– ” ماذا حدث بالضبط؟ ”
ارتجف المدرس الشاب الذي لم يعد كذلك بعد أن ابيضت بعض خصلات شعره من شدة الهول.. وبدا انه يجاهد لاعتصار الكلمات:
– ” أردت أن أذبح لهم القط من اليوم الأول فكادوا يذبحونني شخصيا.. ”
ثم ألقى نظرة على الأنصال البارزة، وابتلع حلقومه بدل الغصة على سبيل التغيير، و أضاف
– ” أمسكت بتلابيب أحدهم في محاولة لإرهابه بعد أن نعتني بالمغفل، فإذا به يرفع قدميه ليدفع بهما صدري و يستغل ردة الفعل كي يقفز فوق رأسي بحركة عمودي دون أن يتخلى عن ياقتي.. ثم استقر ورائي ثانيا ذراعي نحو الخلف بعد أن كنت أنا من يمسك به.. وبعدها شعرت بقدمه تستند على ظهري، وفوجئت بنفسي أرتفع في الهواء و يلقى بي على السبورة.. ”
رفع المدير يده في إشارة بالتوقف وهو يهتف:
– “أمتأكد أنت أنك تتحدث عن تلميذ في هذا الفصل؟ أكبر فتى هنا لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره.. أنت الآن تصف الرجل العنكبوت بدون شك.. ”
– ” أؤكد لك يا سيدي أن هذا ما حصل ”
ثم استند إلى الجدار في انهيار وهو يضيف:
– ” و ما إن نهضت من السقطة حتى وجدت هذه التشكيلة من السكاكين تندفع نحوي لتصنع بي ما رأيت..”

ربت المدير على كتفه مجددا وهو يقول:
– ” لا عليك.. ستعتاد على المر سريعا..”
تكونت فوالق جيولوجية فوق وجه المدرس من فرط الرعب.. وصرخ غير مصدق:
– ” مستحيل! لن أضع قدما، أصبعا، بل ذرة واحدة من ذراتي في هذا الفصل من جديد.. ”
نفض المدير عنه قناع اللطف فجأة وهو يجيب محتدا:
– ” إذن فلن تقبض راتبا، علاوة، بل ينا واحدا من هذه المدرسة.. و لا تعول على العمل بمدرسة أخرى لأنني لن أسمح بذلك.. فعلاقاتي أوسع مما تتصور..”
وخفف من حدة صوته مع انهيار الشاب، وعاد ينتقي قناعا جديدة من مجموعته ليقول:
– ” اسمع يا بني.. هذه مدرسة خاصة.. و آباء تلاميذ هذا الفصل بالذات يملكون أغلبية رأس مالها.. لذا لا نملك فعل شيء.. خصوصا و أنهم يبدون في غاية اللطف حينما يكونون مراقبين.. و الحقيقة انك الشخص الوحيد الذي تعاملوا معه بهذه الطريقة..”

ثم تنحنح وهو يضيف :
– ” من أول حصة..”

كاد المدرس يبكي وهو يقول:
– ” ومتى يذبحونهم؟ ”

أطلق المدير ضحكة مفتعلة وهو يقول:
– ” لا لا لا.. لا يوجد ذبح هنا..”
– ” يا سلام!! و ماذا عن كل هذه السكاكين والسواطير..؟”
– ” هذا مجرد مزاح بريء يا بني.. حاول أن تتكيف معهم فقط ..

* * *

المخرج الخلفي لمصنع إليكترونيات عريق..

هدوء يسود الجنبات..
يمتزج بظلام هشمه ضوء مصباح خافت..
وفي النهاية، أتت شاحنة نقل متوسطة الحجم لتهشم السكون بدوره..

أطلت الوجوه الصارمة من وراء مصراعي صندوق الشحن، لتستقبل ملامح التوتر التي طبعت ثلاثة رجال ينتظرونهم.

– ” هل البضاعة جاهزة؟ ”
نطقها أحد الواصلين، فهتف رجل من المنتظرين بنبرات متمترة وهو لايكف عن مسح نظاراته:
-” بالتأكيد.. كل الأجهزة في هذه الصناديق.. فقط، أسرعوا بالشحن! ”
بدأت عملية الشحن، وبدا ذو النظارات وكأنه قد وضع أعصابه فوق مقلاة زيت ساخنة، فلم تكف مقلتاه عن التقلب في محجريهما.
ومع وصول آخر صندوق إلى الشاحنة، انعقد حاجبا السائق فصرخ:
-” هناك ثلاثة أرقام تسلسلية غير مطابقة.. ثم إنه من الواضح أن الخوذات التي تحملها مجرد خوذات لعب عادية. ”
كان ذلك الزر الذي فجر أعصاب ذي النظارات:
– ” مستحيييييييييل!!! ”
هتف السائق حانقا:
-” يمكنك أن تراجعها بنفسك.. فأمر ال… ”
قاطعه بعصبية:
– ” ولكن هذا يعني أن … أن… ”
أكمل السائق:
-” هذا لا يعني سوى احتمالين: أنكم تتلاعبون بنا، أو أن خطأ ما قد حدث. حسنا.. لا يمكننا المكوث هنا أكثر من هذا حسب أوامر الجنرال، لذا عليكم حل المشكلة بأنفسكم.. بضاعة الجنرال يجب أن تصل إليه كاملة مكمولة حسب الاتفاق! ”

تطلع ذو النظارات بنظرة رعب إلى الشاحنة التي ابتعدت.. وحينما أفاق من شبه الغيبوبة التي اعترته، اختطف هاتفه الجوال بأصابع مرتجفة، وضغط زرا معينا، ثم انتظر أن يصله صوت المتلقي قبل أن يقول:
-” لؤي! ما أخبار دفعة ألعاب الخوذات الجديدة؟ ”
استحال وجهه ليمونة صفراء ممتقعة، فأقفل الخط وهو لاينبس. سأله أحد رجاله بحذر:
-” ما الأمر سيدي؟ ”
انهار ذو النظارات وهو يغمغم:
-” لقد تم تسويق المنتوج بأكمله.. كل خوذات اللعب بيعت في الساعة الأولى من عرضها.. إنها مصيبة! كارثة!! ”

وحلقت أفكاره بعيدا وهو يتصور كم المشاكل التي ستحدث بسبب هذه الخوذات.. بل و الأكثر من ذلك، كيف سيتصرف من اشتروها؟
وبقيت أفكاره تسبح محلقة مع التساؤل بدون هدف..

نهاية الحلقة الأولى

بقلم: عصام إزيمي

عن: رواق الأدب

6 تعليقات

أمير الفرس: تقديم..

ما قبل المقدمة

(أوكاياسو خيري)..
نصف عربي.. نصف ياباني..
فتى في الرابعة عشر من عمره يكتشف فجأة انه مميز..
مميز إلى حد لا يطاق..
فتى يجد نفسه في عالم لم يحلم به من قبل..

عالم يحمل الإثارة..
الكثير منها..
عالم يغوص في الأكشن..
المبهر منها..
عالم بهجته الكوميديا..
الممتع منها..

عالم يحمل معالم المانجا الرائعة..
و لكن، هذه المرة، بعيون عربية..

بقلم: عصام إزيمي

عن: رواق الأدب

الحلقة الأولى: أوكاياسو خيري

2 تعليقان

ما قبل المقدمة..

هذا مسلسل مكتوب طبعا..
ربما هو تصور لأنيمي أتمنى مستقبلا أن أستطيع تحقيقه لو أتيحت لي الإمكانيات..
إن ثقافة الأنيمي انتشرت بشكر سرطاني بالغرب.. لدى الكبار قبل الصغار..
هناك العديد من الذين يتصورون أن الأنيمي موجه للصغار بالضرورة.. وهذا تصور خاطئ بشكل كبير..
لقد أصبحت ثقافة الأنيمي تعوض الثقافة السينيمائية وتنافسها، وذلك عبر موضوعات تناسب الكبار قبل الصغار في الكثير من الأحيان.. فبدل أن تكون عبارة عن أفلام أو مسلسلات تتقيد بقيود السينما، فهي تتحول إلى أنيمي..

هناك المزيد من المغرمين بالأنيمي كل يوم بالمغرب، وقد بدأت هذه الثقافة تنتشر كثيرا لدى الطلبة بالخصوص بعد توفر التحميل عبر الأنترنت.. لذا أتت هذه السلسلة!! لإرضاء جميع الأذواق..
و لإرضائي شخصيا !!

جميع الحقوق محفوظة لموقع رواق الأدب الذي احتضن السلسلة وغيرها منذ البداية، وهو موقع أدبي متميز أدعو الجميع للاطلاع عليه..

أمير الفرس: تقديم..

Leave a Comment

ما الذي ينقص المنتخب المغربي للفوز؟!

استقرت الجماهير على الكراسي في كل بقاع الوطن وأياديها على قلوبها..
لم تكن مباريات منتخبنا المغربي ضد المنتخب المصري سهلة قط.. كيفما كان مستوى أي منتخب منهما..
وبدأت المباراة بداية ساخنة.. اندفاعة مباغتة للهجوم المصري في محاولة لاستغلال الضعف الشهير للمغاربة في بداية المباريات.. ثم لم تمر دقائق حتى انقلبت الوضعية تماما، و أذاق المغاربية المصريين ما أذاقه هؤلاء لليبيين من قبل.. ضغط كامل من هجوم المنتخب المغربي وسيطرة شبه مطلقة على منتصف الميدان.. ولكن المشكل الأزلي طرح من جديد: من يسجل الهدف..؟
أثبت (موحا اليعقوبي) أنه قاطرة المنتخب بدون منازع.. أينما حولت نظرك تجده.. يمينا تجده.. يسارا تجده.. دقق النظر في الحارس فربما يكون (موحا اليعقوبي) متنكرا.. 😀

لقد كرهت (خرجة) منذ البداية.. خرجة كان عليه الخروج!

انتهى الشوط الأول وسط ارتياح من أداء المغاربة، وتخوف من التجارب السابقة المشابهة..

ومع بداية الشوط الثاني كانوا قد غيروا لاعبي المنتخب المغربي في الخفاء وعوضوهم بأشباه متنكرين على ما يبدو.. في حين تمالك عناصر المنتخب المصري أنفسهم، وبدؤوا بتنظيم هجومات خجولة تتخذ مكانها شيئا فشيئا لتصبح بالخطورة بما كان مع تجاوز منتصف الشوط..

ثم الضربة القاضية.. ففي الحين الذي كان الجميع ينتظر فيه تغييرات عقلانية من طرف المدرب (فاخر)، فوجئنا بخروج (الركراكي) وتعويضه بـ (شيبو) الذي توقف على ما يبدو عن لعب كرة القدم، وحول نشاطه إلى بيع الفجل في الفرقة التي يحترف بها..
النتيجة هي أن الجناح الأيمين لدفاع المنتخب المغربي تحول إلى صحراء كالاهاري بشكل سمح ل(ميدو) و(عمر) بالتجوال كما يشاءان في المنطقة..
ثم بدل خروج (خرجة) المنتخضر تم إخراج (حجي) ليتوفى هجوم المنتخب تماما..

الشيء المثير للضحك في المقابلة هو غرام رأس (الركراكي) برأس (محمد عبد الوهاب).. عشق دموي بينهما على ما يبدو..

خلاصة الأمر: ضمن المنتخب المصري تأهله تقريبا، وضمن المنتخب المغربي إقصاءه بالتأكيد.. لذا أتمنى أن يبذل المنتخب المصري قصارى جهده هو والمنتخب التونسي كي تكون الكأس عربية مجددا..

21 تعليق

مباراة موفقة لمصر، وتعثر موفق للمغرب!!

أعاد المنتخب المصر إحياء المل لدى شعبه في تحقيق إنجاز ما بالبطولة..
فقد أعلن (حسن شحاتة) مدرب المنتخب أنه يهدف إلى تحقيق الكأس هذه المرة مجددا، وكان هذا واضحا من القتالية التي خاض بها منتخبه مباراته الأولى ضد ليبيا..
الحقيقة أن ضخ الأموال الليبية لتطوير كرتها قد ساهم نوعا ما في رفع مستوى منتحبها، لكن فارق الخبرة الواضح كان له اليد الطولى في المباراة التي لعبت تقريبا في منطقة الليبيين..
في البداية كان ضغط المنتخب المصري غير مركز تماما، مع ارتباك وعشرات التمريرات الخاطئة.. لكن وصول الهدف برأس أحمد حسام (ميدو) كان له في تثبيت خطى المنتخب والاستقرار في أدائه.. ميدو الذي استبعد من قبل من المنتخب، الشيء الذي أثار ضجة لا بأس بها باعتباره أحد النجوم التي لا يمكن الاستغناء عنها.. الجميع يعتب عليه كون أدائه في المنتخب ضئيل للغاية مقارنة بأدائه المبهر مع الفرق المحترفة التي يلعب معها، وآخرها توتنهام التي استنكرت أخد ميدو منها لأكثر من خمس أسابيع، دون أن ينتبه هؤلاء النقاد إلى الفرق بين الجو وأداء هذه الفرق وبين أداء فرقنا ومنتخباتنا.. طبعا لن يجد اللاعب المحترف نفس الظروف الاحترافية، ونفس الكرات التي تصل بالميليمتر..
ثم أتى هدف (محمد أبو تريكة) -أهكذا تكتب؟ 😀 – كي يحقق ارتياحا كبيرا وسط صفوف الجماهير.. ضربة خطأ ملعوبة على الطريقة الاحترافية بشكل لم يسمح للحارس الليبي المستورد بأي ردة فعل..
وانخفض بعد ذلك أداء الفريقين رغم الهدف الثالث للمنتخب المصري من ضربة جزاء..

الخلاصة أن المصريين عرفوا كيف ينتزعون الفوز بحصة عريضة تحقق لهم ثقة وارتياحا كبيرين سيضيفان لرصيدهم الكثير في مبارياتهم اللاحقة..

نأتي الآن لأحد مسببات الجلطة الدماغية: مباراة المغرب ساحل العاج..

لم يكن منتخب ساحل العاج بحجم الدعاية الإعلامية التي سبقته على الإطلاق.. وقد كان كاللقمة السائغة بين أنامل المنتخب المغربي، اللهم إلا بعض الهجومات المضادة..
ثم ماذا يحدث.. الهجومات المغربية.. والمزيد المزيد من الهجومات.. يوسف حجي قام بثلاثة محاولات تقريبا كانت أصلا عبارة عن ثلاثة أهداف تقريبا.. و الشعب المغربي يمضغ أصابعه حسرة.. ثم تأتي ضربة الجزاء التي هي أصلا عبارة عن ضربة حرة مباشرة فوق خط مربع العمليات.. ذلك النوع من الفرص التي لا يضيعها (دروغبا) طبعا..
وبعد ذلك واصل المنتخب ضغطه، وواصل معلق القناة الثانية ضغطه على الأعصاب.. حقا يجب إعدام هذا الرجل بدون أي وازع من رحمة أو ضمير.. إنه في مشكلة حقيقية.. لست أدري ما الذي تفعله نيجيريا في الملعب كي يقول أن الكرة مع منتخبها.. ولست أدري إن كان مصابا بالحول المزمن كي يخلط بين المنتخب المغربي ونظيره من ساحل العاج في شتى المناسبات..
ثم هناك العبارة الفذة التي قتلتني:”كادت تكون محاولة”.. ماذا تكون إذن؟ إن اللعب في وسط الميدان دوما يكاد يكون محاولة.. المباريات كلها عبارة عن محاولات وغير محاولات.. وكل ما هو ليس محاولة يكاد يكون محاولة..
لي عودة لاحقا بمقال عن التعليق الرياضيات، وعن المذيعين بصفة عامة بهذه البلاد السعيدة..

1 Comment

كأس إفريقيا للأمم..

كان حفل الافتتاح مبهرا بحق..
كان اللعب على نمط ثقافة الشعوب الذي ألفناه لدى الأخوة المصريين موفقا بحق.. ثم أتت الألعاب النارية في النهاية لتختم بلوحة فذة غاية في الاتقان..
وقد أحببت أغنية سميرة سعيد بالفعل 😀

الحق أن مصر أرادت أن تثبت أن عدم الاهتمام الذي حظيت به منافستها على احتضان كأس العالم كان في غير محله..

حاولت اللجنة المنظمة تجاوز كل العقبات رغم الوقت الوجيز الذي أتيح أمامها، وجاهدت لتوفر جميع الظروف المناسبة لمرور حفل كروي بهيج.. لكن ما حدث أن العقبات كانت من النوع الذي لا يتجاوز بسهولة.. فملعب القاهرة مثلا تم إغلاقه لمدة سنة لإعادة الهيكلة والتجديد.. وحينما رأيناه في حفل الافتتاح خيل إلينا أن لا شيء تغير في أرضية الملعب على الأقل.. ففعاليات الحفل فقط قد بدأت تؤثر على العشب..
هذا يذكرني بما حدث هنا بالمغرب مع ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء الذي تم ترميمه، وفتح من جديد لنشهق أمام اخضراره، وكراسيه الملونة.. وبعد فترة بسيطة تحول اخضرار عشب الملعب إلى احمرار ترابه.. ومع أول زخة مطر بدأ اللاعبون بممارسة كرة الماء(الواتربولو) بدل كرة القدم..
يبدو أن هذه عادة دميمة بالملاعب العربية!

وجب الإشارة إلى أن أشغال الترميم بملعب القاهرة الدولي قد استمرت حتى صباح يوم الافتتاح! لا داعي للتعليق إذن..

1 Comment

حرمان الاتصال..

تبا!!

لماذا نألف خيارات تلهينا عن خيارات أخرى؟
لماذا نصبح مترفين بأسرع من البرق دون أن نحرك ساكنا كي نقاوم؟..
لماذا نكون نحن في البداية، وبعد ذلك يصبحون هم؟.. هل لأننا أصبحنا أفضل أو أرفع؟

لماذا أتحدث عن هذا الآن؟ ربما لأن الموقف يذكرني بأحداث سابقة كثيرة أشنع وأكثر وضوحا..
الأمر هذه المرة بسيط: لقد ألفت الاتصال عبر مركز حاسوب المعهد.. فكرهت مقاهي الأنترنت.. كرهتها حتى النخاع، و بدأت أترفع عن الذهاب إليها باعتبار أنني ألفت الاتصال متى أردت، و أن الاتصال بالمعهد أسرع..
ثم أدخلت النت إلى البيت في مدينتي، أمضيت عطلة الصيف كلها أتصل مرتاحا هانئا.. هذه المرة كان الفارق هو أن الاتصال دوما مستقر وأنني أستعمل جهاز الكمبيوتر خاصتي..
حينما عدت بعدها للمعهد لم أعد أدخل مركز الحاسوب تقريبا..
لا نت كافي، ولا مركز حاسوب.. النتيجة: لم أعد أتصل تقريبا، واختفيت عن الجميع وعن أصدقائي وعن نفسي والمجتمع الخيالي الذي عشقته..

كل هذا بسبب ألاعيب النفس البشرية اللعينة..

الآن أنا أتعالى على نفسي و أقبل الاتصال من مركز الحاسوب بصعوبة.. وحينما تحدث به مشاكل من قبيل اقطاع الاتصال كما حدث في اليومين السابقين، فأنا أنقطع تماما عن النت..

Leave a Comment

ذكريات بَرَد..

إن الجلوس تحت زخات المطر قد يبدو شاعريا بالنسبة لبعض المصابين بداء الرومانسية.. لكنني أراهن أن الجلوس تحت زخات البَرَد لن تكون بنفس القدر من الإمتاع.. المتعة الوحيدة حينها هي متعة الاستلقاء بسرير معتبر بأقرب مستشفى بعد أن شجت رأسك..
أجلس الآن تحت حاجب شمسي أمام مقهى بالكامبوس (COMPUS)، ولا أجد ترجمة مناسبة للكلمة، و أنا أرمق ثاني أغزر زخة بَرَد رأيتها بحياتي.. هذا يذكرني بتجربة قديمة لم تكن سارة على الإطلاق..
كنت صغير السن حينها، وكنت في القرية التي ترعرع بها والدي، والتي ألفت قضاء عطلة الصيف بكاملها بها بصغري.. الحقيقة أن والدي كانا يتخلصان مني بعض الوقت حينها كي يتمتعا بعطلة هادئة.. لكنني كنت أستمتع حقا بالمقام هناك.. حيث الحرية والإنطلاق.. حيث تنظف أذنيك بتغريد ألف طير، وأنفك بعبير ألف زهرة..
لي ذكريات شجية هناك ربما أحكي المزيد منها لاحقا على أسلوب (طه حسين)، لكن هذه التجربة لم تكن أكثرها إمتاعا.
كان الجو هادئا حينما خرجت وابن عمتي (يونس) الذي أكبره بشهرين، في حين تصغر أختي أخاه بنفس الفارق. يبدو أن أمي وعمتي كانتا متفقتان على هذا الفرق الزمني بشكل يسمح لجدتي، أطال الله عمرها، بأن تهرول بين مراكش وتيزنيت كي تحضر الولادات الأربع.
كنا نسوق الحمارة التي كنا نحولها إلى حصان بشكل إجباري وذلك بممارسة جميع أنواع الشك والقرص والضرب بسادية طفولية لا بأس بها، بشكل كان سيسمح لمنظمات حقوق الحيوان بإعدامنا بضمير مرتاح.
و بعد أن حمٌلها عمي بالحشائش التي حصدها، عدنا ونحن نستلقي في الدور الرابع فوق الحشائش فوق الحمارة.
بدأت ألاحظ كتل الغيوم التي كان سوادها شديد القتامة، والتي تقترب بسرعة غير مريحة. لفت نظر (يونس) إلى ذلك، فأطلق عبارة ما عن أولاد المدينة المدللين، وعن هستيريا الرعب التي يعيشونها مع أول حدث غير مألوف.. فأقفلت فمي حانقا..
ولكم أن تتوقعوا ما حدث بعد ذلك.. زخة مطر من أعنف ما رأيت بحياتي، تلتها زخة برد من النوع الذي يخترق الجسد ذاته.. الإظلام تام، والحمارة أصيبت بالعته والحمد لله، فلم تعد تعرف شمالا من جنوب.. لم نعد ندري أين نختبئ.. كنا بعيدين عن البنايات، والحمارة لا تريد أن تتوقف كي نختبأ تحت جبل الحشائش ذاك..
تشتد موجة البَرَد على ظهورنا فنركض إلى الأمام في نفس اتجاهها قصد تخفيف ضررها..
صراخ.. بكاء.. عويل.. ضحك.. ونهيق..
كل شيء امتزج بشكل غير عادي.. تصوروا حمارة تحاول أن تنهق.. هذا يعطيكم فكرة عن الوضعية..
وفي النهاية وصلنا إلى البيت بمعجزة ما، ووجدنا الجميع قلقين، وقد خرج البعض للبحث عنا بعد أن استغرقنا أربع ساعات في رحلة عودة تستغرق نصف ساعة عادة..
الحمارة؟ طبعا تركناها وفررنا بجلودنا.. ماذا كنتم تتصورون؟ وقد وجدوها لاحقا في مكان ما تتقاذفها جذوع الأشجار..

الخلاصة أنها كانت ليلة أسود من البترول ذات نفسه.. ليلة حلمت فيها بجلاميد من مختلف الأحجام تمتع نفسها بشج رأسي واختراق ظهري..
أحلام مبهجة بالفعل..

8 تعليقات

جولة سياحية معتبرة (3)

سابقا في مذكرات طالب بالأقسام التحضيرية:
مذكرات طالب باﻷقسام التحضيرية
مسار الأف ميل:خطوة البداية (1)
مسار الألف ميل: خطوة البداية (2)
جولة سياحية معتبرة(1)
جولة سياحية معتبرة(2)

حسنا.. جاء دورنا لتجاوز بوابة المطعم لنلتحق بالطابور الداخلي..

لا تقلقوا.. لن يمنعكم أحد من الدخول لأنكم غير مرئيون.. وهذا يعني أيضا أنه لن يحق لكم الحصول على نصيب من الوجبة.. وهذا حسن حظ أحسدكم عليه..

إن الرائحة مقرفة.. أعرف ذلك.. هذا راجع إلى الخليط غير المتجانس الذي يصرون على أ، يطبخوه هنا.. تصوروا كيف يكون طعم ورائحة الفاصوليا المصبرة حينما يقرر أحدهم طبخها.. لا أستبعد أن نجد يوما سمكا مصبرًا مشويًا..

علي إذن أن أحمل صفيحة حديدية بها فراغات مختلفة المقاسات، من النوع الذي يستعمله المساجين عادة، و أن أتقدم في طابور طويل كي أحصل على تشكيلة من الأشياء التي يصرون على أنها تؤكل.. إن الفرق بين المكان وبين السجن البلدي ضئيل حقا.. ولو كنت ممن لم يألفوا ارتياد المكان لما استطعت أن تفصل بينهما..

المحطة الأولى: (منطقة السلطات، بتشديد السين وفتحها)..

هنا تقدم جميع أنواع السلطات المفتخرة، ولا تنسوا تشديد السين وفتحها كي لا أعاني من مشاكل سياسية .. فمن قطع الخيار الديناصورية المنقوعة في المياه المعدنية إلى قطع الجزر والبطاطس المسلوقة التي لا يمكنك أن تميز جزرها من بطاطسها. وتبقى السلطات على العموم إحدى العناصر القليلة التي تؤكل بضمير مرتاح..

المحطة الثانية: (منطقة أشباه اللحوم البيضاء والحمراء)..

هنا يقدم ما يلي:

– شرائح لحم بقري (مع قدر لا بأس به من الارتياب)، ذات سمك شبه منعدم، ملتصقة بشرائح جلد ذات سمك وصلابة لا بأس بهما بما يكفي للإيحاء بالكم.. والهدف من هذا تقوية أسنان الطلبة وعضلات أذرعهم عبر حركات الشد التي تهدف إلى تجزئة الشرائح لتيسير المضغ..

طريقة الاستعمال: ضع طرفا بين أسنانك، وامسك بكلتا يديك بالطرف المقابل.. ثم شد بكل قوتك نحو الأسفل.. حذار من أن ينزلق الطرف من بين يديك لأن اللسعة التي سيستقبلها وجهك لن تكون محببة إلى النفس. وحين تصل يداك إلى أقصى اتساع لهما دون نتيجة، يمكنك حينها الاستعانة بقدميك لمواصلة الشد.. لذا ينصح بغسلهما مع اليدين قبل الدخول.. كما يمكنك أن تبتلع الشريحة قطعة واحدة لو كنت لا تملك الوقت لهذا الهراء، وتترك للمعدة إكمال البقية..

– كويرات مجهرية من الكفتة مع طن من صلصة الطماطم.. مهمتك أن تبحث عن الكفتة وسط الطماطم لو كنت من أقوياء النظر.. أما لو كنت من ضعافه فابتلع الصلصة كلها فالكفتة فيها لا بد واجد..

– قطع دجاج.. وعلي هنا أن اعترف أنها أفضل أكلة تقدم من حيث جودة الطبخ.. فقط عليك أن تجد قطعة مناسبة يتفوق فيها وزن اللحم على العظم.. وهذا ممكن بشيء من العسر لو كان (عزيز) هو الذي يقدم القطع.. فقط عليك حينها أن تمحو من ذاكرتك مشهد صدره المشعر الغارق في العرق، والذي يصر على إبرازه وهو ينحني ليحضر لك قطعة الدجاج المطلوبة.. اعتبر قطرات العرق هذه كنوع من التوابل أو المخللات لتحسين المذاق.. أما لو لم تكن وافر الحظ فستلتقي بذلك الكهل الذي كره الدنيا وكرهك معها.. حينها لا تحاول أن تحتار القطعة لو كنت من النوع المسالم، فهو يقدم لك ما يريد ويرميه ف صفيحتك كأنه يقتطعها من لحمه الخاص.. ولا بأس بنظرة ازدراء عابرة لإتمام اللوحة.. وفي فترة من الفترات اختفى العجوز لمدة لا بأس بها.. فتساءل أحدهم عن مصيره، وحينما لم يجب أحد قال الفتى أنه يشك في أن اللحم الذي يقدمونه لنا مؤخرا هو لحم الكهل لأنه يبدو هرما بالفعل..

المحطة الثالثة: (منطقة الوجبة الثانوية)

– سواء كانت عدسا أو لوبيا، أنصح بالابتعاد عن المكان.. إن هما إلا سببان أساسيان لتعاظم غازات البطن.. وحينما يأتي يوم منحوس تكون فيه الوجبة الأولى مقرفة، ويقرر الجميع تناول أحدهما، حينها يلتزم الجمع بعدم إشعال أعواد الثقاب أو ما شابه في العنابر خشية انفجار نووي..

– ثم هنالك قطع البطاطس المقلية.. ومع هذه أنت وحظك.. فتارة تكون ذات حجم هائل لكل قطعة، مما يجعلها غير مطبوخة على الإطلاق من الداخل، مع ملاحظة إنك لن تحصل سوى على أربع او خمس قطع على الأكثر.. و تارة أخرى تكون عبارة عن نوع من الفحم الحجري الممتاز، وهذا حينما تحتج على أنها لا تطهى بما فيه الكفاية..

المحطة الرابعة والأخيرة: (منطقة الفواكه وأشباهها)..

هنا تجد، حسب المزاج، في كل مرة فاكهة من نوع ما.. والقاسم المشترك بينها أنها إما غير ناضجة دوما، أو من النوع الذي يتركه الباعة وراءهم بعد انتهاء السوق: تفاح عليه ندوب من مخلفات الحرب العالمية الثانية، أو موز معوق يمكن شربه مباشرة دون مضغه، وأشياء من هذا القبيل..

هذا في وجبة الغذاء.. أما في العشاء فتجد إما كأس زبادي، أو ما نصطلح على تسميته ب(دانون).. وهذا أفضل قطعة كاملة يمكنك الحصول عليها.. غير هذا هناك كأس مياه غازية، أو كأس أي مشروب حليبي.. وطبعا الكأس بلاستيكية تبدو كأنها كانت تستعمل من قبل التتار أيام مجدهم..

وكإضافة مجانية، يمكنك الحصول على (الحريرة)، وهي نوع من الشربات المحلية الثقيلة.. فقط على من شربها أن يصعد لغرفته بأقصى سرعة، ويحضر سريره ويتمدد قبل أن يسقط في غيبوبة النوم وهو واقف.. إن مادة الصودا عنصر أساسي في كل وجبة وذلك كي تطهى بسرعة، لكن الكمية التي يضعونها في الحريرة خرافية بالفعل..

سؤال وجيه: هل يضعون الصودا في المياه الغازية والمواد الحليبية أيضا؟ بدأت أشك بذلك حقا..

حاملا صفيحتي المحملة بما لذ وطاب مما سبق ذكرهن سنتجه للبحث عن وجه من الوجوه التي اعتدت مجالستها.. هاهي ذي الشلة المعتادة وقد اكترت طاولة خاصة بها كالعادة..

أجلس و أتطلع بتقزز إلى الأكل.. أحاول أن أستخلص منه ما يصلح للأكل.. ثم أتطلع إلى السوق البلدي الذي يحيط بي.. نحن المغاربة لا نستطيع أن نجلس لنأكل بهدوء قط، فكل موضوعات الدنيا تناقش على مائدة الطعام.. وهذا لا يعني أننا نتوقف عن الأكل.. إن عادة الكلام بفم ممتلئ هي عادة صحية لدينا بخلاف كل ما يقوله الأطباء المتخلفون..

وكما جرت العادة، لا بد أن نمتع آذاننا بصوت العشرات من الصفائح الحديدية التي يوقعها (الحسن) أرضا كنوع من التقاليد.. لكم أن تتخيلوا قوة الصوت وتردده في قاعة كبيرة كهذه.. يمكننا بشيء من التسامح أن نشبهه بصوت قصف الرعد.. ماذا يفعل (الحسن) بالصفائح؟ طبعا يغسلها بالمياه الساخنة و بمكنسة.. نفس المكنسة طبعا هي المستعملة غالبا لكنس العنابر.. فبالهناء والشفاء يا شباب!

تابع القراءة: يوم أول!!

 

21 تعليق

الدور التثقيفي للإعلام العربي..

قرات موضوع الحقيقة و التاريخ و الإعلام العربي.. ثم أتبعته بالرد الذي ورد في موضوع الإعلام والتربية والتعليم.. وقد أثاروا لدي تساؤلا قديما عن علاقة الإعلام العربي المعاصر بثقيف الطبقة الشعبية العربية..

أصبحت مؤخرا أصنف أغلب من أحدثهم إلى ثلاثة أصناف:

شبح المثقف (أو قناة الجزيرة): هو النوع الذي يتحدث معك بطريقة نسخ لصق الفذة.. حينما يثار النقاش بشأن قضية ما، تجد فيصل القاسم أو أحمد منصور أو غيرهم يتحدث.. والعجيب انهم يدافعون عن تلك الآراء كأنها مسلمات، أو كأنها آراؤهم الخاصة.. ولكم يحلو لي أن أذكر المصدر الذي استقى منه هذه الآراء أمام الملأ..

نصف المثقف: هو الذي يستقي معلومات من مصادر عدة، ويكون ثقافة إخبارية لا بأس بها.. هذا النوع أيضا عبارة عن مجموعة من القنوات والجرائد دمجت في بعضها البعض لتخرج لك في بعض الأحيان بآراء متضاربة في مضمونها..

المثقف: هو من يستقي المعلومات والآراء ليتطعم بها فكره الخاص بعد تحليل وانتقاء وانتقاد..

وبما أن أشباح المثقفين هم الغلبة، فإن الإعلام يلعب دورا أساسيا في التوجيه الفكري للجماهير.. وهذا ما لم يعيه صناع القرار لدينا، مما يجعل الأمور في غالب الأحيان تهرب من بين أيديهم عبر قنوات خارجية تفضح الواقع حينا، وتقنعه بإيديولوجياتها الخاصة أحيانا..

نحن مسيرون بالإعلام، شئنا أم أبينا.. والدليل أن مشاعرنا تتهيج كلما ازداد الحركة الإعلامية اهتماما بآلامنا الشعبية،.. ثم تجمد مشاعرنا تماما حينما تغفل عنها.. وهذا ما حدث بعد غزو العراق مثلا، حيث نسي الجميع تماما ما يحدث بفلسطين..

3 تعليقات

جولة سياحية معتبرة (2)

سابقا في مذكرات طالب بالأقسام التحضيرية:
مذكرات طالب باﻷقسام التحضيرية
مسار الأف ميل:خطوة البداية (1)
مسار الألف ميل: خطوة البداية (2)
جولة سياحية معتبرة(1)

لو قارنتم غرفتنا بأي غرفة أخرى بداخلية المركز فستكتشفون فورا أنها ذات طابع منزلي محبب إلى النفس.. ربما يفسر هذا سر تجمع الشباب الدائم لدينا في جلسات سمر، متحلقين حول براد شاي ثقيل ساخن من الذي يتقنه صديقنا (محمد)..
لقد جعلنا من الغرفة مكانا أليفا خصوصا مع آيات قرآنية لخطاط فنان علقت بالحائط بجوار صورتين كبيرتين متقابلتين، إحداهما للكعبة والأخرى للقدس.. بالإضافة إلى (الموكيت) الأخضر – ولا أجد ترجمة مناسبة للكلمة – الذي يكسوا الأرضية..
حاولوا أن تتمتعوا بالغرفة بهذا الشكل قبل أن تعود إلى الحالة الطبيعة لها، والتي تتلخص في كويرات متعددة من مواد مختلفة مرمية هنا وهناك: كويرات من ملابس، وكويرات من أوراق، وكويرات من قشور، وكويرات من أشياء لا تدري كنهها لكنها موجودة..
اعتبروا الغرفة لكم إذن.. فقط عليكم أن لا تنسوا أنها غرفتنا.. وهذا يحتم عليكم نزع أحذيتكم قبل الدخول..
لا داعي لأن تخجلوا من منظر أصابعكم وهي تجاهد كالمساجين للفرار من الجوارب المثقوبة، فما نحن إلا طلبة نتفهم مثل هذه الأمور.. كما لا داعي للقلق بشأن رائحتها القتلة لأن المراحيض تكفلت بقلب مفاهيم الشم لدينا بشكل يجعل أي رائحة كانت تبدو أشبه بالعطور الباريسية الفاخرة بالمقارنة..
تفضلوا بالجلوس.. فليشغل اثنان منكم الكرسيين الخشبيين، وليصطف الباقون فوق السريرين.. حاولوا فقط أن تتركوا منتصف فارغة حتى لا تتقوس تحت ثقل أوزانكم.. إن نوابضها ليست على ما يرام.. وقد يبدو سريري على ما يرام نوعا، لكن سرير (عبد الله) قد بدأ بالتحول إلى نوع من منامات المخيمات التي تعلق بين شجرتين.. تعرفونها طبعا..
الحقيقة أن لا شيء يهم حينما تكون هنا.. فبعد يوما دراسي حافل، ومع تأثير أطنان الصودا التي يصرون على وضعها في الطعام، يكفي أي وضع أفقي أو حتى عمودي، كي تغرق في سبات يتفوق على عمق سبات الدببة القطبية.. (يقول (بعد الله) أنه يغرق في النعاس بمجرد وضع رأسه على المخدة.. أما أنا فلا أذكر يوما متى وضعت رأسي على المخدة مما يجعلني أظن أنني أغرق في النعاس ورأسي في الطريق إليها..
إن النوم هو الخصم اللدود والمرض الشعبي بالمركز.. يمكنك أن تظن، وأنت مرتاح الضمير، أن المركز مليء بمستعمرات ذبابة تسيتي، ولن يخالفك أحد الرأي.. لكن التأثير المميت يختلف فقط من شخص لآخر..
ذات يوم قررت و(عبد الله) أ ن نأخذ قيلولة من النوع الطويل.. قيلولة من النوع الذي يستمر حتى الساعة الرابعة بعد الزوال.. ضبطنا كل شيء.. منبهات الهواتف المحمولة.. منبه ساعتي اليدوية.. وآلة إيقاظ الموتى التي يصر (عبد الله) على تسميتها بمنبه.. تعرفون ذلك النوع من المنبهات الذي يمكنه أن يكسر الزجاج بصوته؟ هو ذاك..
سبحنا في ملكوت الله حتى الرابعة.. فطفق كل شيء يرن.. زلزال صوتي لا يبقي ولا يذر..
وهناك، بجانب كل هذا الضجيج كان مخلوقان متمددان لا يحركان ساكنا، وكأنهما ينامان تحت صوت موسيقى كلاسيكية هادئة..
صدقوني.. لقد حاولت أن أقوم.. لكنني فشلت فشلا ذريعا..
انطفأت منبهات الهواتف بعد أن ملت، ولم يجد منبه الساعة اليدوية، بصوته الضعيف، مكانا وسط الصخب المدوي، فخرس بدوره.. لكن آلة إيقاظ الموتى كانت مصرة على الاستمرار.. والمشكلة أننا وضعناها في منتصف المسافة بيننا كي لا نخرسها ونعود للنوم..
تمكنت بصعوبة من أن أفهم أن الصوت المزعج هو صوت المنبه.. وحينما قررت أن أقوم لأخرسه انطفأ الضوء الإلهي من أمام عيني.. ثم أحسست أن هناك صوتا مزعجا بالمكان.. وحينما فهمت مجددا أنه صوت المنبه كنت قد غرقت مرة أخرى في النعاس..
ما فهمته بعدها هو أن المنبه بقي يرن لربع ساعة، لابد أننا حصدنا فيها كل اللعنات الممكنة من طرف الجيران، قبل أن يتمكن (عبد الله) بمعجزة ما من أن يقوم بمجهود خرافي ليصل إلى المنبه ويخرسه، قبل أن يعود ليواصل النوم حتى الليل..
هناك حكايات أخرى من هذا النوع لدى العديد من الأصدقاء، أتركها للتفصيل في حلقة أخرى..
دعونا ننزل.. فهذا وقت وجبة العشاء..
لا داعي للدهشة! أجل.. اعرف أنها السادسة والنصف فقط.. و أعرف أن أية دجاجة تحترم نفسها تنام بعد هذا الوقت بكثير.. لكنها الحتمية (البعبولية) التي تلعب دورها..
أخخخخ!!
لقد وصلنا متأخرين.. فهاهو ذا الطابور الثعباني قد تشكل وتلوى حسب المسار المفروض..
أزواجا.. هكذا نقف للأسف كتلاميذ المدارس الابتداية قبل الدخول للمطعم.. وهي تشكيلة إجبارية من طريف الناخب الوطني (بعبول الزاكي) الذي يقف بنفسه رفقة لجنة مراقبة رسمية مكونة من بعض المعلمين..
وطريقة الدخول إلى المطعم تكون عبر مجموعات.. يقومون بدور السدود التي تسمح بمرور كمية من الطلبة حتى يبدأ الصف الداخلي بالامتلاء ثم يوقفون التدفق..
أجل.. كما سمعتم.. هناك طابور بالخارج وطابور بالداخل، وكأننا نستخرج أوراق إدارية في مصلحة سريعة الأداء بشكل قاتل..
ولكم أن تخمنوا أنهم سيوقفون التدفق حينما أصل شخصيا إلى المدخل.. إن هذا حتمي كما يحدث في الأفلام الأمريكية الرخيصة..
إن بطني تزغرد.. لكن الرائحة المنبعثة من الداخل غير مشجعة على الإطلاق!
تبا مجددا!

تابع القراءة: جولة سياحية معتبرة(3)

 

4 تعليقات

ثورة الأكباش..

عندما يقترب عيد الأضحى، تبدأ الخرفان بالشعور بالأهمية أولا، ثم الخطورة لاحقا.. الأعلاف تتزايد بشكل غير طبيعي، والزيارات البشرية تتوالى بشكل مثير للريبة، والكل ينظر إليهم بنظرة غير مريحة، والمباحثات والمشاورات مع صاحب المزرعة تدور على قدم وساق..
لذا فمن الطبيعي أن يحس الأكباش بالخطورة، ولا أحد يلومهم إن بدءوا بتسنين قرونهم استعدادا للدفاع عن النفس.. ويبدو أنهم قد يقيمون اجتماعا سيفضي بهم بعد مباحثات طويلة، وبعد تكوين لجان تنبثق عنها لجينات، إلى اتخاد قرار خطير بالإضراب عن الطعام، وذلك كي يقضوا على آمال أكلة لحوم الأغانام (الكانيبالات البشرية)..

لماذا أضع مثل هذه التصورات؟ لأننا حينما فتحنا بطن الكبش أمس وجدنا معدته شبه خاوية، وقد يبس البراز على جدران (الكرشة) كأنه لم يأكل منذ قرون.
طبعا لن أتهم صاحب المزرعة بشيء، فالرجل يؤكد أنه يقدم العلف الممتاز لقطيعه دوما، وهو –زيادة على ذلك- علف مستورد.. فالأغنام عنده تربوا على العز.

الحقيقة أن العديد من الظواهر غير الصحية تنتشر قرابة عيد الأضحى.. فمن نفخ الكباش بالملح والمياه، إلى نفخها الفعلي بمنفاخ العجلات، وقفل الفتحات بالأشرطة اللاصقة (وأنا لا امزح هاهنا)..

هذا من جهة الباعة.. فماذا عن الزبائن؟
لقد تحول العيد من فريضة وشعيرة دينية إلى مأدبة لملء البطون، والبحث عن الأكباش ذات القرون:
-“من فضلك عزيزي.. لن أقبل بكبش أصغر من الذي أحضره زوج خديجة.. أنا أحذرك من الآن! لا أريد أن يقال عنا فقراء أو معدمون..”
-“حاضر!”
-“لا تنسى أن يكون من النوع البلدي الممتاز!”
-“حاضر!”
-“ثم يجب أن يكون ذا قرون طويلة ملتوية.. فهذا دليل على الصحة!”
-“هذا الوصف يناسب جديا أكثر مما يناسب كبشا.. ما رأيك بعجل وننهي النقاش؟”
-“حقا! العجل سيكون أفضل.. فليكن!”
يمتع الزوج نفسه بضرب رأسه بالحائط، ثم يفر هاربا..
هذا مشهد مألوف حاليا.. وأنا لا أقصد أن أنتقد الزوجات هنا، فهناك من الذكور من هو أكثر ولعا بالتفاخر وملء البطن..

ووسط هوس شراء الأضحية بأي ثمن كان، تفشت ظاهرة غريبة مؤخرا تتمثل في الإستدانة بالربا لشراء الأضحية.. هذا يشبه من يتوضأ بالخمر وهو معجب بنفسه..
في ملصق كبير بإحدى اللوحات الإشهارية بالرباط، رأيت عرضا من إحدى الأبناك يتلخص في قرض لشراء كبش العيد مقابل مئتي درهم شهريا.. وبغض النظر عن عن الرأي الشرعي في الأمر يبدو العرض مغريا.. فقط لو كنت تجيد الحساب ستكتشف أنك مع نهاية مدة السداد ستكون دفعت ثمانية آلاف درهم فقط.. هكذا تكون اشتريت خروفا بثمن عجل صغير بالفعل..

2 تعليقان