تجاوز المحتوى

الشهر: يناير 2013

عقد قران كوميدي

إنه اليوم الموعود..

خطيبتي (زوجتي حاليا) تعاني من حالة (Freaking out) اﻷمريكية الشهيرة، حيث تنتظر الفتاة يوم العرس كي تقرر أن تطرح على نفسها أسئلة ممتازة من طراز: “ماذا لو لم يكن الشخص المنشود؟”. في حين كنت أنا أعاني من حالة : « تبا ! أين هو مكتب العدل (المأذون) الذي سيعقد قراننا؟”. كنت وأبي تائهان تقريبا في دائرة لا يتجاوز نصف قطرها المائة متر.

وصلتني رسالة نصية : « سلام. هذا آخر إنذار قبل أن تودع أيام العزوبية. فكر جيدا قبل أن تتورط مثلنا”. إنهما يتهكمان ! كانت رسالة من صديقي وزوجته، التي كانت ضرتي بالمناسبة. لقد كنت أقضي مع الرجل وقتا أطول مما تقضيه معه زوجته بحكم عملنا معا،  ومن هنا أتت فكرة الضرة في لحظة صفاء ساخرة.

 في هذه اللحظة، وصلت زوجتي (خطيبتي حينها) برفقة والدها. وحينما نظرت إليها في جلبابها اﻷبيض والنظرة المحتشمة في عينيها، خطر لي أنه سيكون من اللطيف أن أقضي ما تبقى من حياتي مع مخلوقة كهذه، في حين أنها لا بد كانت تفكر في الخواطر السوداء أعلاه.

* * *

“إنه لعدل (مأذون) غريب اﻷطوار !”.  هكذا فكرت وأنا أجلس قبالته، في حين كان هو ينقر على لوحة مفاتيح الحاسوب. لقد انتهى عصر الدفتر إذن ! هنالك بعض المهن لديك تصور كلاسيكي عنها، ولا يمكنك ابتلاع تغييره بسهولة : (عدل = جلباب تقليدي + دفتر). أما حكاية الحاسوب هذه فهي جديدة.

هل الرجل يجول في موقع يوتيوب أم أنني أحلم؟

انطلقت فجأة موسيقى غرناطية من السماعات. إنه يضعنا في الجو.

– “أين العريس؟”.. تساءل العدل.

“ماشاء الله عليه نبيه جدا !”.. تذكرت عبارة عادل إمام في مسرحية الواد سيد الشغال. بالتأكيد لن يكون العريس والدي، أو أبو زوجتي، ولا حتى صديقي (زوج أختها) المرافقين لنا لسبب بسيط يتعلق بفرق السن الواضح. يبدو أنني الوحيد الذي كنت مناسبا للدور لذا رفعت يدي بأسلوب المدارس “حاااااضر !”

انتظرت أن يسأل “أين العروس؟” كي أتيقن من خباله، لكنه لم يفعل، مما طمأنني نسبيا على مستقبل صياغة العقد.

لم يفته طبعا أن يتساءل من باب الفضول الحميد عن موقع صديقي من اﻹعراب، وسبب قدومه، وأكلته المفضلة.. إلخ إلخ..

 أجلسني في المقعد المقابل على المكتب، ثم صبغ وجهه بملامح الخطورة، وسأل فجأة :

– “لماذا تريد أن تتزوج؟”

كان السؤال مفاجئا.. هل تعرف إحساسك حينما تدخل حصة دراسية أيام الابتدائية ويسأل اﻷستاذ سؤالا، يتجول بين الصفوف بحثا عن فريسة،ثم يضع يده فجأة على مؤخرة عنقك قائلا : « لنر بماذا سيجيب هذا الحمار ! ».

تذكرت مقالة قديمة لي في جريدة المساء، حيث كان الاستهلال: ” إن الانسان يتزوج حينما لا يجد شيئا آخر يفعله”.

أجبته الجواب الكلاسيكي من الكتاب كما يقال :

– « أريد إتمام ديني”

لم يكفه الجواب على ما يبدو، لذا قفزت إلى الفصل الثاني من الكتاب :

– « إنها السكينة”

وكما توقعت، كان لابد من المرور على الكلمة كي يخرج باﻵية الكريمة : « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجا… » ثم يتوقف لهنيهة كأي فقيه يحترم نفسه كي يضع التأكيد على ما يلى “لتسكنوا إليها”. لم يخلق بعد فقيه يقاوم هذا اﻷسلوب.

ثم مضى يعدد محاسن الزواج، وأهمية أن يكون الزواج عن قصة حب (مأذون عصري جدا كما تلاحظون).

التفت إلى خطيبتي (زوجتي حاليا)، وقال :

-“الحياة ليست كالمسلسلات.. و(مهند) وقصصه ليست نموذجا”

ياللهول !.. إنه مأذون (صايع) كما يقول اﻷخوة المصريون.

لم أتمالك نفسي من الابتسام وأنا أتصور الرجل جالسا أمام حلقات المسلسل التركي الشهير. يبدو جد ملم بالتفاصيل.

«النساء يرفضن دخول الجنة !”. لقد بدأ يتحمس.. ويرفع صوته.

– « أجل إنكن ترفضن دخول الجنة.. يمكنك أن تدخلي الجنة من أي من أبوابها .. فقط برضى زوجك.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها, وحفظت فرجها , وأطاعت زوجها , قيل لها ادخلى الجنة من أي أبوابها شئت ) »

وقعنا على عقد الزواج، ولم يفتني الانتباه إلى يد زوجتي المرتجفة وهي توقع.. وقبل أن نغادر كان لابد للعدل أن يضيف :

– “اﻵن لابد أن تذهب لإحضار المؤونة،” والتفت إليها “وجهزي له طاجنا ممتازا ! “

لا حول ولا قوة إلا بالله.. لماذا لا ترافقنا للبيت كي تأكد بنفسك؟

* * *

على العموم، فكلام الرجل في مجمله لا بأس به، وإن كانت طريقته الهزلية في التعبير قد ضيعت كل شيء. وهناك مشكل بسيط آخر اكتشفه لاحقا.. لقد قتلنا كلاما عن قدسية الزواج وعن مساوئ الطلاق، في حين أنه شخصيا تزوج وطلق مرات عديدة. إن الرجل ينطبق عليه المثل المغربي الشهير : « الفقيه اللي نترجاو بركته، دخل لينا للجامع ببلغته ! »

33 تعليق

ليلة أنف السنة

لا أحد يقاوم أن يبدأ مقالا في سنة جديدة دون أن يتحدث عن ذلك.. إن هذا أقوى منا جميعا.. بالتأكيد مللتم من أن الجميع يتحدث في هذه الفترة من السنة عن الإحصائيات، وعن الأفضل والأسوأ، وعن شخصيات السنة، وعن القرارات التي اتخذوها للسنة القادمة كي لا يطبقوها.

منبع الملل هنا غير مرتبط بجودة المقالات بقدر ما هو مرتبط بالملل من التكرار والنمطية. وأنا بدوري، ومن منطلق الإمعان في الإملال، لن أقاوم إغراء الحديث عن موضوع الساعة: كيف تذهب السنة القديمة، وتحل مكانها السنة الجديدة.

الفنان الساخر المغربي الجميل جاد المالح، تحدث سابقا عن ظاهرة “أراك السنة القادمة”، وهي الدعابة القديمة التي لا يمل من تكرارها أحد في آخر يوم من أيام السنة. هذه العادة لا زالت ممارسة على نطاق واسع جدا. لا بأس، فخفة الدم مطلب وطني وإن كانت معتصرة.

أين ستقضي رأس السنة؟ سؤال يوجه لي دوما من أحدهم في هذه الفترة، وأقاوم بشدة جوابا سمجا من طراز “عند قدميها”. فأجيب: “في فندق (سوبيطان)”.. يحرك السائل عينيه امعانا في التفكير في موقع هذا الفندق ويسألني: “وأين يقع”.. الجواب المباشر يكون: “بجانب فندق سوكاشة”.. حينها يفهم ويبتسم أو يضحك حسب درجة تقبله لسماجتي. الاسمان بالمناسبة عبارة عن نطق فرنسي سريع لجملتي (فندق تحت البطانية) و(فندق تحت الغطاء). وهما فندقان دافئان ألفت أن أقضي فيهما ليالي أنوف السنة جميعها منذ خلقت. اللهم إلا السنة الماضية حيت اضطررت للخروج مع ضيوف لدي من العائلة، كي أكتشف أنني لم أكن أضيع على نفسي الشيء الكثير.

ما يحدث في مدينة أكادير مثلا، هو أن الكورنيش يتحول (ماراثون) يذرعه المتجولون في ازدحام شديد جيئة وذهابا بانتظار منتصف الليل حيث تطلق الفنادق والمقاهي مفرقعات هوائية التي تعتبر الجانب الممتع الوحيد في الموضوع، لو اعتبرنا (مفرقعات عاشوراء) تلك متعة. أما باقي الموضوع يتلخص في تحول شوارع المدينة إلى ساحات لتصوير فيلم The Fast and The Furious في مخيلة السائقين المخمورين.

هذه وجهة نظر الأشخاص المحترمين. دعونا الآن نلقي نظرة على مقاطع من هذا المقال الذي يصور لنا أوجه احتفال أخرى بلسان أصحابها:

عائلة غيزوان، التي تقطن في أحد الأحياء الآهلة بالسكان في الرباط، معروفة بدماثة أخلاق أفرادها وطيبوبتهم في الحي كله، غير أن هذه الأسرة “المحافظة” تتغير طباعها تماما في احتفالات ليلة رأس السنة، حيث تجتمع ـ أبناء وبنات وأبا وأما ـ على مائدة تُدار فيها كؤوس الخمر بدعوى الاحتفال برحيل سنة وقدوم سنة جديدة.

إذا كان هذا ديدن الأسر المحافظة فالمرجو اعتبارنا من الأولياء الصالحين.

ثم ما سر انتظار ليلة رأس السنة لتغيير هذه الطباع؟ هل هذا نوع من التطهر بإخراج كل الموبقات دفعة واحدة في يوم واحد كل سنة؟

لو أن أحدا من هذه الأسرة أكد لي أن هذا ينفع، فذكروني أن أخرج لأفسق بدوري السنة القادمة.. وكله في سبيل التطهر. امنعوني فقط من الخروج عاريا منعا للإحراج.

مصطفى، شاب في عقده الثالث وأحد أفراد هذه الأسرة، قال في تصريح لهسبريس “إن هذا الاحتفال الذي تقوم به عائلته يرجع إلى سنوات عديدة، حتى أنه فتح عينيه على هذه “العادة” التي لا تسبب الضرر لأي طرف”، مضيفا بأن “أقصى ما يفعلونه هو شُرب بعض أعضاء العائلة ـ وليس جميعهم ـ كؤوسا “خفيفة” من الخمر قصد المرح وتجديد النشاط”، وفق إفادة هذا الشاب.

حسنا.. لقد وصلني الرد مباشرة. إنها كؤوس خفيفة من الخمر قصد المرح وتجديد النشاط!

لو سمحت يا أخ مصطفى، هل لك أن تعطينا مقياسا علميا للكأس الخفيف، كي لا نزل وتنفجر حيويتنا ونشاطنا في وجه أحدهم.

هذه دعوة رسمية مني يا جماعة الخير.. من كان منكم يمارس الرياضة لتجديد نشاطه فقد أصبحت هذه الطرق موضة قديمة.. اشربوا لكم بعض الكؤوس الخفيفة، وركزوا جدا مع مع كلمة الخفيفة هذه كي لا تقعوا في مصيبة.

سميرة ، طالبة جامعية في الثامنة عشر من عمرها، تعترف بأنها لا تبيت خارج البيت ولا يمكنها ذلك طيلة السنة إلا إذا كانت موجودة عند أحد أفراد عائلتها، لكنها في ليلة رأس العام “تنقلب” هذه المعايير الأسرية ليُسمَح لها من طرف والديها وإخوتها بالمبيت مع صديقاتها في بيت إحداهن للاحتفال الذي لا يخرج عن الرقص والمرح ومشاهدة سهرة التلفزة بهذه المناسبة.

يا سيدي على الورع!!

خلال هذا الاحتفال الخاص يقع أحيانا أن يحضر زملاؤها في الدراسة ليصبح الحفل مختلطا”، مشيرة إلى “أنه لابد من حدوث تجاوزات لا يمكن توقعها أبدا من قبيل إصرار بعضهم على شرب الخمر أو تدخين شيء من المخدرات، أو محاولة التغزل بالفتيات الحاضرات”، قبل أن تردف بأنها “تحاول جاهدة أن لا تتورط في مثل هذه المشاكل التي لا يمكن فصلها عن طقوس الاحتفال”

ما دمنا نتحدث عن الطقوس، وبما أن طقوس أي احتفال يجب تقبلها كما هي، فإني أدعو الأخت الفاضلة إلى البحث عن بعض احتفالات عبدة الشيطان عبر الأنترنت، وتذهب للمشاركة في هذه الاحتفالات، على أن تحاول جاهدة ألا تتورط في الكفر الذي لا يمكن فصله عن طقوس هذه الاحتفالات.

الممتع في هذه التصريحات هو أنهم أصبحوا يجاهرون بالفساد صحفيا، ويصور أسلوب حياتنا بألفاظ وعبارات ممتازة من طراز : (محافظة – كؤوس خفيفة – مجرد طقوس…). وإلى هؤلاء أقول: إذا ابتليتم فاستتروا.. (الله يخليكم بالخلا).

8 تعليقات