إنه اليوم الموعود..
خطيبتي (زوجتي حاليا) تعاني من حالة (Freaking out) اﻷمريكية الشهيرة، حيث تنتظر الفتاة يوم العرس كي تقرر أن تطرح على نفسها أسئلة ممتازة من طراز: “ماذا لو لم يكن الشخص المنشود؟”. في حين كنت أنا أعاني من حالة : « تبا ! أين هو مكتب العدل (المأذون) الذي سيعقد قراننا؟”. كنت وأبي تائهان تقريبا في دائرة لا يتجاوز نصف قطرها المائة متر.
وصلتني رسالة نصية : « سلام. هذا آخر إنذار قبل أن تودع أيام العزوبية. فكر جيدا قبل أن تتورط مثلنا”. إنهما يتهكمان ! كانت رسالة من صديقي وزوجته، التي كانت ضرتي بالمناسبة. لقد كنت أقضي مع الرجل وقتا أطول مما تقضيه معه زوجته بحكم عملنا معا، ومن هنا أتت فكرة الضرة في لحظة صفاء ساخرة.
في هذه اللحظة، وصلت زوجتي (خطيبتي حينها) برفقة والدها. وحينما نظرت إليها في جلبابها اﻷبيض والنظرة المحتشمة في عينيها، خطر لي أنه سيكون من اللطيف أن أقضي ما تبقى من حياتي مع مخلوقة كهذه، في حين أنها لا بد كانت تفكر في الخواطر السوداء أعلاه.
* * *
“إنه لعدل (مأذون) غريب اﻷطوار !”. هكذا فكرت وأنا أجلس قبالته، في حين كان هو ينقر على لوحة مفاتيح الحاسوب. لقد انتهى عصر الدفتر إذن ! هنالك بعض المهن لديك تصور كلاسيكي عنها، ولا يمكنك ابتلاع تغييره بسهولة : (عدل = جلباب تقليدي + دفتر). أما حكاية الحاسوب هذه فهي جديدة.
هل الرجل يجول في موقع يوتيوب أم أنني أحلم؟
انطلقت فجأة موسيقى غرناطية من السماعات. إنه يضعنا في الجو.
– “أين العريس؟”.. تساءل العدل.
“ماشاء الله عليه نبيه جدا !”.. تذكرت عبارة عادل إمام في مسرحية الواد سيد الشغال. بالتأكيد لن يكون العريس والدي، أو أبو زوجتي، ولا حتى صديقي (زوج أختها) المرافقين لنا لسبب بسيط يتعلق بفرق السن الواضح. يبدو أنني الوحيد الذي كنت مناسبا للدور لذا رفعت يدي بأسلوب المدارس “حاااااضر !”
انتظرت أن يسأل “أين العروس؟” كي أتيقن من خباله، لكنه لم يفعل، مما طمأنني نسبيا على مستقبل صياغة العقد.
لم يفته طبعا أن يتساءل من باب الفضول الحميد عن موقع صديقي من اﻹعراب، وسبب قدومه، وأكلته المفضلة.. إلخ إلخ..
أجلسني في المقعد المقابل على المكتب، ثم صبغ وجهه بملامح الخطورة، وسأل فجأة :
– “لماذا تريد أن تتزوج؟”
كان السؤال مفاجئا.. هل تعرف إحساسك حينما تدخل حصة دراسية أيام الابتدائية ويسأل اﻷستاذ سؤالا، يتجول بين الصفوف بحثا عن فريسة،ثم يضع يده فجأة على مؤخرة عنقك قائلا : « لنر بماذا سيجيب هذا الحمار ! ».
تذكرت مقالة قديمة لي في جريدة المساء، حيث كان الاستهلال: ” إن الانسان يتزوج حينما لا يجد شيئا آخر يفعله”.
أجبته الجواب الكلاسيكي من الكتاب كما يقال :
– « أريد إتمام ديني”
لم يكفه الجواب على ما يبدو، لذا قفزت إلى الفصل الثاني من الكتاب :
– « إنها السكينة”
وكما توقعت، كان لابد من المرور على الكلمة كي يخرج باﻵية الكريمة : « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجا… » ثم يتوقف لهنيهة كأي فقيه يحترم نفسه كي يضع التأكيد على ما يلى “لتسكنوا إليها”. لم يخلق بعد فقيه يقاوم هذا اﻷسلوب.
ثم مضى يعدد محاسن الزواج، وأهمية أن يكون الزواج عن قصة حب (مأذون عصري جدا كما تلاحظون).
التفت إلى خطيبتي (زوجتي حاليا)، وقال :
-“الحياة ليست كالمسلسلات.. و(مهند) وقصصه ليست نموذجا”
ياللهول !.. إنه مأذون (صايع) كما يقول اﻷخوة المصريون.
لم أتمالك نفسي من الابتسام وأنا أتصور الرجل جالسا أمام حلقات المسلسل التركي الشهير. يبدو جد ملم بالتفاصيل.
«النساء يرفضن دخول الجنة !”. لقد بدأ يتحمس.. ويرفع صوته.
– « أجل إنكن ترفضن دخول الجنة.. يمكنك أن تدخلي الجنة من أي من أبوابها .. فقط برضى زوجك.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها, وحفظت فرجها , وأطاعت زوجها , قيل لها ادخلى الجنة من أي أبوابها شئت ) »
وقعنا على عقد الزواج، ولم يفتني الانتباه إلى يد زوجتي المرتجفة وهي توقع.. وقبل أن نغادر كان لابد للعدل أن يضيف :
– “اﻵن لابد أن تذهب لإحضار المؤونة،” والتفت إليها “وجهزي له طاجنا ممتازا ! “
لا حول ولا قوة إلا بالله.. لماذا لا ترافقنا للبيت كي تأكد بنفسك؟
* * *
على العموم، فكلام الرجل في مجمله لا بأس به، وإن كانت طريقته الهزلية في التعبير قد ضيعت كل شيء. وهناك مشكل بسيط آخر اكتشفه لاحقا.. لقد قتلنا كلاما عن قدسية الزواج وعن مساوئ الطلاق، في حين أنه شخصيا تزوج وطلق مرات عديدة. إن الرجل ينطبق عليه المثل المغربي الشهير : « الفقيه اللي نترجاو بركته، دخل لينا للجامع ببلغته ! »
33 تعليق