تجاوز المحتوى

الشهر: مارس 2006

كاتب عالمي!

لأول مرة أجلس لصفحة تدوينة جديدة دون أن تكون ببالي فكرة محددة..
الهدف الأوحد هو أن أجرب إحساس انسكاب الذات.. كما عبرت عنها فتاة أديبة التقيتها يوما في ظروف غير مشجعة..
قالت أنها لا تكتب، بل تنكتب!
رائع!!
قالت أنها تكتب لنفسها فقط! وعن نفسها فقط!
بديع!!
هي لا تكتب لآخرين أو آخرين..
كل هذا مثير..
لماذا إذن قصصها تتناثر بين الصحف والمجلات؟
لماذا كانت ترسل لي يوميا عنوان مجلة أو جريدة نشر لها بها عمل أدبي وتطالبني بقراءته..
لو اتبعت رأيها في الحين لكنت قد أعلنت إفلاسي الرسمي منذ قرون!
برأيي.. لا يوجد كاتب يكتب لنفسه.. ومن يفعل لا يعتبر نفسه كاتبا.. من يفعل لا ينمق أسلوبه ولا كلماته، بل يكتفي بأن يخرج ما بداخلها كيفما اتفق.. ويكون مصير كلماته درج أسود تحت كم هائل من الأوراق التي لا تربط بينها علاقة سوى أنه لا يعرف ما يفعل بها، وفي نفس الوقت لا يستطيع التخلص منها..
الكاتب الحق هو من يقوى على عرض إنتاجه.. سواء كان محترفا أو هاويا.. الكاتب الحق هو من يحمل ألف حساب لرأي قرائه.. ولما يجذبهم كقراء..

الحقيقة أنها معادلة صعبة: هل نكتب ما نحبه نحن، أو ما يحبه الآخرون.. أوبعبارة أخرى، ما هو مطلوب في السوق..

الحق أن الكثير من الكتاب لعبوا على أوتار مجتمعية حساسة حققوا من ورائها شهرة لا بأس بها، إن لم تكن مطلقة..

الخبز الحافي، لمحمد شكري!! رواية ذات صيت وشهرة عاليمة.. ترجمت إلى لغات عدة وحصلت على جوائز.. والسبب الرئيسي الأوحد هي الكم الخرافي من الجنس الذي لعب على وتره الكاتب وجعل الحياة والفكر والشعب والدنيا بأسرها محورا له.. وفوق هذا وذاك يتحدث عن ذلك باعتبارها مذكرات شخصية..
عقد شخصية عميقة ومبالغات خرافية جعلت من قصة، لا ترتقي إلى نصف قوة ومتانة حبكة قصص أخرى مهمشة، حديث الكل ونالت إعجاب الغالبية.. هذا يدل على أننا مجتمع مكبوت حقا!!

حسنا.. يا شباب الكتاب.. ما عليكم سوى ان تحولوا أفلام بورنوغرافية إلى قصص رفيعة المستوى الأدبي وستحصلون على العالمية.. حاولوا فقط!

5 تعليقات

ظلال في جدران الزمن (2)

بقلم: جمال بوالخورص

الفصل الأول

الفصل الثاني

وجدتها تكتب ذات صباح, وكنت قد علقْت في زحمة مرورية فتأخرْت. ولما دخلْت رفعَت عينيها نحوي وأخفت الورقة, تجاهلْت الأمر في البداية وألقيت تحية الصباح..
منحتني ابتسامة هادئة كالمعتاد, وقالت:
-ظننت أنك لن تحضر..
-ليس اليوم, لدي عمل مهم لأنهيه!.
فتحَت ملفا وبدأت تنقل بعض الأرقام, ومن عاداتها الغريبة أن تنطق الكلمات بصوت خافت قبل أن تدونها.
-ماذا كنت تفعلين؟
-لاشيء!
-معك حق فهذا ليس من شأني!..
ثم زفرَت باستسلام أمام نظراتي الحانقة, أخرجَت الورقة من درج مكتبها وسألتني:
-هل تحب قراءة الخواطر؟
-لا أدري, قد أحبها لو كانت جيدة..
ومنحتني الورقة فأمسكتها, وقالت:
-ما رأيك بهذه؟
وبدأتُ أتلو ما كتبَت:
“أمس زرت قبرك..
وجدت الشّوك يغطّيه, وحين مددت يدي لأنتزعه أدمت أصابعي..
أمس زرت قبرك..
تركت دمائي فوقه , وكلّ قطرة دم صارت وردة حمراء..
اليوم , وأنا أقف جوار قبرك وجدت الورود تغطّي جوانبه, لم أستطع أن أقطف واحدة .. ليس لأنّني خشيت أن تجرحني.. بل لأنّي ما عدت أملك في عروقي ولو قطرة دم واحدة..”
000
كنت أنظف, واكتشفت أني لم اهتم أبدا بترتيب أثاثي أو تنسيقه, وكل همي هو أن أزيل طبقات الغبار قبل أن تترسب وتتحول إلى تل..
ولماذا اهتم بهذا وأنا الذي لم يستقبل أحدا؟
ثم سمعت طرقات على الباب ذات صباح, ولما فتحته استقبلني وجه جميل وعيون واسعة, وسمعت الفتاة تسألني:
-هل تسمح لي بدقيقة من وقتك؟
وظلت تتحدث لعشر دقائق كاملة, وفي النهاية أقنعتني بشراء مجموعة من الحيوانات البلاستيكية ذات قطع مغناطيسية. ألصقتها على باب الثلاجة, لكنها لم تصمد كما توقعت, فكانت تسقط بمجرد أن أفلتها. وأدركت أخيرا أن تلك البائعة المتجولة خدعتني.
ولما انتهت نوبة الغضب, أحضرت صمغا وألصقتها, ولم يكن الأمر سيئا كما توقعت. ولكن فكرة تعرضي للخداع استهلكت هدوئي..
ثم فكرت مليا, مالذي جعلني أقبل بشرائها؟ ألانني رغبت بذلك حقا؟ أم أن هناك دافعا آخر؟
وتذكرت نظرة الفتاة البائسة ووجهها الذي يجاهد ليخفي تعبه بابتسامة لا أدري مصدرها, واقتنعت أخيرا بأن الأمر يستحق, على الأقل منحت الثلاجة مظهرا مختلفا وأضفت إلى المطبخ بعض الألوان. وربما لو احتسبت كلمات الشكر الذي أغرقتنني بها الفتاة لمالت الكفة إلى ناحيتي..
000
-ألن ترحل؟
-لماذا أفعل؟ لم تنته الدوام بعد..
وأجابت ناهد:
-جميعهم سيرحلون مبكرا هذا المساء, كي لا تفوتهم المباراة..
وكنت ألزم البيت بدل الخروج إلى المقاهي التي تعج بمتتبعي البطولة الأوربية والمتعطشين إلى الأهداف, واستغربت هذا الحماس الجنوني والحب المحموم للكرة. فلماذا لا يترقبون النتائج مثلي في النشرات الرياضية؟
لماذا يحرقون أعصابهم ويستهلكون أضعاف ما يستهلكونه عادة من السجائر ويفتعلون الشجار؟ ويجد الواحد منهم نفسه في اليوم التالي ذاهبا على عمله وكدمة على وجهه إضافة إلى هزيمة نكراء لفريقه المبجل..
وبدل هذا كنت أنصت إلى الموسيقى وأحاول أن أتمرن على قيثارة اشتريتها منذ زمن, فأداعب أوتارها وأعزف بخجل..
تعودت أن أمشي وحيدا في أزقة لا تسكنها إلا الظلال, ظلال تعيسة تحاول أن تحاكي الأشياء, ظلال مشوهة تلتصق بالجدران, تزحف على الأرض ولا يصيبها البلل..
وماذا عن حياتي؟ ربما تكون بدورها مجرد ظل على جدران الزمن.
وأفقت من كابوسي ذات ليلة وقد أفزعتني الفكرة..
لا أريد أن أكون ظلا!..

——————————–

الفصل الثالث

سألتني ناهد وهي تجلس قبالتي وتتابع ترتيب الملفات:
-كم عمرك؟
وبدا واضحا أنها تستمتع بهذا الحديث, فسؤالها يتجاوز مجرد رقم قد تلفظه شفتاي, وأجبت:
-خمس وعشرون سنة..
-أنت تكذب!..
ولم أعرف لماذا نعتتني بالكذاب, ألأنني بدوت لها أكبر من عمري أم لأن عمري أكبر مني؟
ووجدت نفسي أقف أمام المرآة, أتأمل وجهي الذي لم تدنسه تأملاتي من قبل. أحاول أن أحفظ الملامح التي تعكس روحي على عيون الآخرين, ولما مللت من تفحصه بحثت عن وجه قديم ركنته في ذاكرتي..
وجه أبي!..
واكتشفت أني لا املك من صوره إلا النزر اليسير, وكلها متناثرة وسط أوراق إدارية قديمة ظللت احتفظ بها منذ زمن, ربما لأنها الدليل الوحيد المتبقي على وجوده.
ثم جمعت الصور ذات مرة وألصقتها على جدار غرفة نومي..
وكثيرا ما أخبرتني أمي أنني أشبهه, تقبلني وتحضنني بين ذراعيها وتبكي. لكنها سرعان ما تتراجع عن كلامها كلما مرت بنوبة غضب, كانت تتهمه بالخيانة وبتركه إيانا في عهدتها ونحن لا نزال صغارا, وأنه فظل الهرب بدل البقاء إلى جانبها. وربما كان كلام أمي السيئ عنه سبب كره لطيفة له, بل وسبب خلافها الجوهري معي.
وأذكر تلك اللحظات اليتيمة التي تسنى لي فيها العبث بأشياء أبي, فكنت اغتنم غياب أمي في العمل وأتسلل إلى غرفتها لأتفقد ملابسه, ألبسها وأستنشق عطره عبرها, أضع خاتمه وساعة يده.
حتى أنني قررت ذات يوم أن أفتح خزانة أمي, وسرقت منها ظرفا كبيرا لم أره من قبل ثم صعدت إلى السطح.. ولم أفهم سبب إخفاءه عنا حتى عثرت على شهادات طبية داخله, وصدمتني الحقيقة..
أبي لم يمت كما أخبرتنا أمي..

———————-

تابع>>

Leave a Comment

الشعب في جزمة الشرطة

في بلادي السعيدة، وقس على ذلك في باقي بلداننا الشقيقة الأسعد، ما إن يرتدي أحدهم زيا رسميا، ويحصل على رتبة عسكرية، حتى يرقي نفسه أوتوماتيكيا من مرتبة البشر الفاني إلى مرتبة آلهة السلطة (بضم السين لا فتحها).. فتبدأ بسماع أحاديث من طراز:
– ” استوقفني دركي وغد في الطريق.. لقد ظن أنني مجرد مدني!”
-“ألم يلاحظ ترقيم سيارتك؟ ”
– “كنت أسوق سيارة صديق”..
-” قد مسحت به البلاط طبعا بعد أن عرف رتبتك..”
– “وهل في ذلك من شك؟ ”
إن قانون هذه البلاد يطبق على المدنيين الأوغاد فقط، وذلك وفقا لمرشحات الطبقات الاجتماعية والعلاقات السياسية والسلطوية..

* * *

في جلسة عائلية بمدينة طنجة، حضرت حوارا يستعرض فيه شرطي مرور إنجازاته العظيمة.. تحدث عن سائق سيارة الأجرة الوغد الذي، تصوروا، تجرأ وطلب منه أجرة التوصيلة.. ثم أخرج وريقة صغيرة بها لائحة طويلة لأرقام سيارات الأجرة التي على سائقيها الزناديق دفع ثمن غلطات شنيعة من هذه العينة.. وهي لائحة تتبادلها شبكة شرطيي المرور بالمنطقة كلها.
حاولت للحظات أن أستوعب طريقة تفكير هذا المخلوق ففشلت . ولما كنا ضيوفا في منزله، فقد عبرت بملامحي عن الامتعاض، وقلت متهكما:
-“سائقوا الأجرة الأوغاد هؤلاء يستحقون الإعدام حقا!!”
أمن الرجل على كلامي بإيماءة من رأسه، فأثبت لي أنه بالإضافة إلى شخصيته السايكوباثية يتمتع بجرعة غباء منقطعة النظير..

* * *

لو كنت متحمسا، أنصحك بالتجربة التالية:
ارتدي ملابس رثة نوعا ما، تبدو عليها البساطة والقدم، وادخل قسم شرطة لأي سبب من الأسباب.. ثم تعامل مع أحقر رتبة هناك بقدر من اللامبالاة..
تمتع بالتجربة واحكي لي..

* * *

قصة واقعية غاية في الطرافة حكاها لي والدَي:
خلال إحدى الجولات، مد أبي يده في حقيبة أمي كي يخرج حاملة نقوده، فقبضت يد خشنة معروقة على معصمه..
كلا!! لم يكن شرطيا كما لكم ان تتوقعوا.. كان مجرد متشرد أصر على أن:
-“عالى هنا أيها اللص!”
أجابه أبي بلباقة بأنه ليس لصا، وأن هذه السيدة زوجه. وأكدت أمي الأمر، لكن…
– “قلت لك أنك لص!”
طالبه أبي بلعن الشيطان وترك معصمه، لكن الرجل كان مصرا كخنزير بري، ملتصقا بمعصمه كعلكة..
اقترب شرطي مرور كان واقفا بالجوار.. تساءل عن المشكلة فكان الجواب الأزلي الذي لا يتزحزح:
– “هذا الرجل لص أراد سرقة محفظة نقود هذه السيدة..”
طفح الكيل بأبي فقال:
– “أعوذ بالله من الحمق! هناك رابط اسمه الزواج يسمح لي بأن أضع يدي في حقيبتها متى أشاء..”
تأكد الشرطي من المسألة، فلم يجد بدا، أمام إصرار المتشرد من إعطاء إشارة إلى أقرب سيارة شرطة تمر بالمكان..
وحال وصولها، حاول مفتش تسوية الوضع، لكن المتشرد دفع بعنف يد أول من حاول لمسه، وأطلق سبة ما..
حينها حمل قسرا إلى السيارة، وطولب أبي وامي باللحاق بها إلى قسم الشرطة لتسوية المحضر..
حين وصلوا، لاحظ أبي مع نزول المتشرد، أن ملامح الأخير كانت قد تحولت إلى عجينة وصلصة دماء.. فلما قال أنه يتنازل عن المحضر في محاولة إنقاذ البقية الباقية من المهلوق البائس من أيدي هؤلاء الوحوش، أخبروه بأن بإمكانه التنازل والانصراف لو أراد، فقد وجدوا بحوزة الرجل مخدرات يتاجر بها، وقد حاول الهروب من السيارة في الطريق فاظطروا آسفين إلى التعامل معه.
تطلع والدي إلى هندام المتشرد.. لو كان هذا الرجل يتاجر بالمخدرات فإن شارون يعتنق الديانة الإسلامية..

خلاصة القصة وعصارة أفكارها:
لا تطلق بحياتك سبة في وجه رجل شرطة لأن هذا غير صحي في الغالب، وقد ينتهي بك في السجن لسنوات بتهمة التآمر وقتل (كينيدي)، هذا إن لم تمض ما تبقى من حياتك في قالب جبس..

* * *

تجربة أخرى:
ارتد الآن بذلة سوداء فاخرة، وساعة ذخبية أفخر، ونظارات سوداء.. باختصار: تحول إلى نسخة من 0ويل سميث) في فيلم “رجال بالأسود”.. ثم كرر تجربة دخول قسم الشرطة.. زد من جرعة التكبر، لكن باختيار أكبر رتبة في المكان هذه المرة.. وتمتع بتجربة الأمراء..
لا تنسى أن تخبرني بالنتيجة..

* * *

قرروا في يوم من الأيام أن علينا أن نتطور: يجب أن يصبح لدينا شرطيات مرور..
ألبسوهن زيا غريبا بـ(تنورات) أغرب تذكرني بتلك التي تلبسها فرق النفخ الأسكوتلندية.. بالإضافة إلى طرابيش من النوع الذي يفضله (شارلي شابلن).. ثم وضعوهن في منتصف الطريق بصفارة..
لا داعي لوصف حالة الطرق بعدها.. جيوش من شباب لا هم له ولا شغل ولا شاغل سوى الجلوس بقرب الشرطيات الشابات للتودد إليهن تارة، وللسخرية تارة بإطلاق زغاريد في مطالبة صريحة لتخلي الشرطية عن الصفارة والاكتفاء بالزغاريد..
اضطرت السلطات بعدها إلى وضع رجل أمن مخزني بجانبها.. شيء أشبه بكلب الحراسة لو سمحتم لي بهذا التشبيه..

* * *

قبل محاولات الانقلاب الشهيرة، كان هناك تهميش واضح لرجال الأمن مقارنة برجال الجيش، سواء من ناحية المعاملة أو من ناحية الميزانيات..
كانت أيام يعاقب فيها رجل الجيش إن سمح لشرطي حقير بأن يعطيه مخالفة أو يسحب رخصة قيادته.. وهذه وقائع سمعتها من رجل جيش قديم بالمناسبة..
لذا تكون لدى رجال الشرطة حقد دفين، وحاجة شديدة بسبب ضعف تعويضاتهم المادية والعلاوات وما شابه.. والضحية هي الشعب طبعا..
الآن انقلب الوضع، فكل الامتيازات سحبت من رجال الجيش لتعطى لرجال الأمن، خصوا بعد إلغاء منصب وزير الدفاع نهائيا.. لكن الطبع يغلب التطيبع.. لذا استمر رجحال الشرطة والدرك في عادات الابتزاز الشعبي، واستمرت ضرائب المرور على شكل أوسع..واستمر توزيع الغنائم..
كل يحصل على نصيبه: السائق يدفع الضريبة.. الشرطي أو الدركي يدفع نسبة لرئيسه المباشر، الذي يدفع بدوره نسبة عن مداخيله لرئيس القسم.. وهكذا دوالك.. فتأصلت هذه الشبكات وتثبتت أقدامها..
ولا داعي للحديث هنا عن السلع المهربة التي تصادر كل يوم بعلم وبدون علم.. ولا داعي للحديث عن كبار رجال الشرطة الذين اكتشف فسادهم واشتراكهم في مساندة شبكات التهريب في المدن الشمالية..
صدق المثال الشعبي القائل: “حاميها حراميها..”.

* * *
هل سبق لكم وسمعتم باختبار البيبسي؟
أحضر متهما عاريا!
أحضر قارورة مياه غازية!
أنت الآن تملك كل مستلزمات الاختبار..
لا داعي لتخبرني بنتيجة التجربة..

* * *

قصة طريفة أخرى من ذكريات الماضي:
تسلل متشرد يوما إلى السطح شقتنا في العمارة الصغيرة التي كنا نقطن بها سابقا..
وجد هناك أرانب كنا نربيها، فخنق واحدة..
وجد فرنا غازيا، فرمى الأرنب المخنوق به ليؤمن وجبة العشاء..
وجد سريرا قديمة ومخدة أقدم، فمدد جسده بعد اللأكل ونام بعمق كأنه في جنة أبيه..
الحقيقة أننا وفرنا كل سبل الإستجمام والراحة لمن يريد أن يقتحم سطحنا عنوة..
وفي الصباح الباكر، صعد أبي إلى السطح كي يطعم الأرانب، ففوجئ بالمتشرد الذي أصيب بالذعر بدوره لسبب لم أفهمه إلى الآن.. ربما طن أن الحياة رائعة إلى حد أن يجد كل ما وجد متاحا له كي يتمتع به أبد الدهر..
المهم أنه التقط عمود مهراز (*)، ورمى به ليصيب أبي برأسه..
ماذا يفعل عمود المهراز في السطح؟ إذا كنا كل ما سبق متواجدا في السطح، فلماذا يبدو تواجد مهراز شيئا غريبا!
لا داعي لتساؤلات كهذه..
ترنح أبي، وفر راكضا إلى الأسفل والعالم يدور من حوله.. لم ينس أن يغلق البوابة الرئيسية للسطح كي يحبس المتشرد..
أبلغ رجال الشرطة، وحضرت الاسعاف لتقله ليعالج.. أما رجال الشرطة البواسل، فقد وقفوا بجانب بوابة السطح يناقشون الامكانيات والسبل والخطط الحربية للدخول والقبض على متشرد مسلح بعمود مهراز من طراز (باطريوت) بعيد المدى.. ولولا غضب أمي، وحماسها للدخول بنفسها لو لم يفعل أحد شيئا لما جرؤ أحد على الحركة.. مما يثبت أن بعض رجال الشرطة يصلح لبيع الباذنجان بعيدا عن قرف المهنة..

خلاصة القصة وعصارة الأفكار:
حينما تواجه مشكلة فلا تستنجد برجال الشرطة لأنهم يستهلكون أوكسيجين المكان فحسب..

* * *

أفاق الجميع بعد أحداث 16 ماي ليكتشفوا اننا مهدد بالفعل، وأن الأمر لم يعد مجرد مزاح.. فلم نعد بحاجة فقط للحفاظ على المظاهر، وارتداء الأزياء الرسمية فوق الكروش الضخمة، ووضع اللعب السوداء للتخويف بدل الأسلحة..
لذا كانت الضرورة ملحة لتكوين فرق شرطة خاصة جديدة، مدربة وشرسة.. فرق أسماها الشعب بـ(كروايتا)، نظرا لأن زيها الرسمي يحوي أشكالا مشابهة للعلم الكرواتي..
الكلمة الآن تعتبر سبة يعقب عليها القانون لو ضبطك أحد رجال هذه الفرق تلوكها في لسانك.. رغم أن رجال الشرطة في فرنسا أو أمريكا مثلا ينعتون بما هو أشنع من ذلك..
إن للقانون في بلادنا عجائب حقا..

يبدو أن اسمي سيكتب عما قريب في وريقة صغيرة بها لائحة أسماء المطالب بعصرهم.. لكنني لا أملك سوى أن أصرخ بالأغنية الجماهيرية الشهيرة في حالات الإضرابات والشغب:
-“الليلة زاهية.. جيبوا كرواتيا!!”..

8 تعليقات

ظلال على جدران الزمن..

بقلم: جمال بوالخورص

1
***
حياتي مسرحية معقدة وقد عشت معظم فصولها خلف الكواليس, خائفا مرعوبا من مواجهة الآخرين. فلا أرى وجوه الممثلين ولا أسمع سوى ضحكات الجماهير التي يمتصها الظلام..
كنت أشارك الغرفة مع السيد إبراهيم, وهو رجل طيب, هرم في السن ولم تمنحه الأيام الحكمة التي ينشدها, وأفكاره عن الحياة لا تزيد عن معرفة طفل عن القمر, فلا يراه إلا قرصا مضيئا يحاول أن يحل مكان الشمس الغائبة..
وكان مدخنا شرها لا تفارق الولاعة يده المرتجفة دوما, ولا يتجاوز عمله تصنيف الملفات وترقيمها, وكنت من يقوم بالعمل كله, وأحيانا أشفق عليه من الباص فأقله معي في طريق العودة, أدفع أجرة السيارة وأكمل الطريق مشيا..
وذات صباح مل من الحياة كما ملت منه ولم يحضر..
ثم قدمت ابنته بعد أسابيع, واكتشفَت أنني من شارك والدها أنفاسه اللاهثة الكسيرة لأشهر, زميل والدها الذي لم يحضر جنازته والذي لم يكلف نفسه ولو مجرد اتصال هاتفي لأبنائه.
لكني استغربت تلك العلاقة بيننا فلم يكلمني يوما عن أبنائه أو عن زوجته, بل كان سجين الصمت مثلي تماما, يقف أمام النافذة, يدخن ويطل على الشارع.
ولما جلسَت في ذات المقعد الذي شغله والدها قالت لي:
-اسمي ناهد وسأشغل مكان والدي.. أرجو ألا تمن علي بالمساعدة!..
وتحسست مكتب والدها, أزالت عنه الغبار ورتبت الملفات. مسحت عيناها المبللتين في أرجاء الغرفة, وظلت بعدها صامتة تجتر ألمها..
ربما تكون فكرة تشارك المشاعر مجرد أكذوبة أخرى من الأكاذيب الكثيرة التي تملأ هذا العالم, فمالذي أستفيده لو كلمتها؟ أعرف أنني لن أواسيها, لن أمنحها حضني لتبكي فوقه, ولن أمنحها تلك الكلمات المليئة بالأمل, ولن أخبرها كما يفعلون أن كل شيء سيكون على ما يرام..
وأذكر يوم كانت أمي تحتضر, جلست إلى جوارها أنصت لأنفاسها الخائرة وأنينها الصامت, ولما حانت لحظة رحيلها غادرت المنزل رغم هطول المطر. خفت وهربت, ولم أمتلك الشجاعة الكافية لأبقى إلى جوارها في لحظاتها الأخيرة..
ولما علمت بموتها عدت, اعتراني الحزن ولزمت الصمت. وودت لو أخرج إلى المطر من جديد, أمشي تحت الشلال البارد وأذوب مع الريح الصارخة في الفناء. وبكيت بعدها, لكن دموعي لم تستطع أن تمحو الندم العالق في ذاكرة لا يريد النسيان أن يرحمها..
ولم تكن علاقتي بأختي لطيفة مثالا للأخوة, لكن الموت كان أكبر مني ومنها فوجدت في حضنها ملاذا لدموعي ونحيبي, وبقيت أياما في منزل زوجها, أشاطرها الطعام والصمت والكلمات الشحيحة التي يسعفني بها لساني..
و فيما بعد عثرت على كل الكلمات التي لم أتمكن من قولها, لكنها بدت لي كلها عقيمة غير قادرة على مواساتي, فكيف تواسيها؟

——————————————–

وكان وجه ناهد شاحبا على الدوام وغزوت الأمر في البداية إلى مواد التبرج التي تضعها, وعيناها الضيقتان تفتقران إلى البريق الذي يشع من كل العيون التي عرفتها. لكن هذا لم يتمكن من طمس جمالها الهادئ..
-كان أبي رحمه الله يحدثني عنك كثيرا..
-حقا؟
وأومأت برأسها. قالت:
-أخبرني أنك شخص غامض يميل إلى العزلة والصمت, ولكني لا أشاطره الرأي..
وسألتها بسرعة:
-وما رأيك أنت؟
أجابتني:
-رأيي أنك تحتاج إلى أصدقاء..

————————————

صغيرا, كنت أطل عبر النافذة لأراقب الأطفال وهم يلعبون في الخارج, وكان بمقدوري الخروج لمشاطرتهم اللعب والضحك والبكاء, لكني أردت الاحتفاظ دوما بذلك الحاجز الزجاجي البارد بيننا. عرفت أسماءهم ومزاج كل واحد منهم وصرت أستطيع توقع تصرفاتهم, لكني تأخرت كثيرا قبل أن أخرج من شرنقتي وأتخطى حدودا وضعتها لنفسي بنفسي, وأغادر المنزل لألعب كما لو كنت واحدا منهم..
واكتشفت أخيرا أنني لم أكن الوحيد الذي استمتع بلعبة المراقبة تلك, هم أيضا عرفوا بوجودي فكانوا يلتزمون باللعب قبالة نافذتي..
وأجمل ما حظيت به في طفولتي هو ذاك الركن الأخضر المشمس دوما في خيالي, مكان كنت الجأ إليه لوحدي كلما أمطرت في الخارج, هناك حيث أشعر بالدفء والأمان, وحيث أستطيع أن أحلم بما أريد..
لكني لم أحظ قط بصديق حقيقي, ولم أكن أكلم زملائي في العمل إلا ناذرا, فلم تتجاوز علاقاتنا إلقاء التحيات. وكانوا يتهمونني بالخجل وحب الانزواء, فكلماتي التافهة أصغر من أن أتبجح بها في حواراتي التي لا تريدها أن تنتهي على ضفاف آذان ألفت الكذب والنفاق, وكنت أفضل الصمت عندها, أسكت وأراقب أولئك المدعين كثيري الكلام.
واعتقد أن سر صمتي هو قدرتي الغريبة على تجاهل الأشياء.

تابع>>>>

5 تعليقات

أصدقاء القلم والعلم.. (بفتح العين وكسرها)

لماذا هذا القسم؟
لو تغاضينا عن أنني غريب الأطوار وأحاول تجريب كل شيء..
ولو تغاضينا عن أنني متكاسل، وأعرف أن هنالك فترات لا يمكنني فيها أن أنوي فقط أن أحك أنفي..
ولو تغاضينا عن هذا الأسلوب المتحذلق..
يمكنني أن أقول أن هذا القسم هو رغبة محمومة لي في أن يشاركني صديق القلم الأوحد خط كلمات هذه المدونة..
كاتب موهوب هو، ولا شك في ذلك.. أرى لديه أشياء تنقصني ويرى لدي أشياء تنقصه.. ربما لهذا نحن متكاملان..
لقد كان كل منا شعلة فتيل الآخر دوما.. ولهذا تطورنا معا.. وبدأنا النضوج الأدبي معا.. وأتمنى أن نكمل الدرب معا..
هذه إذن مدونة جمال داخل مدونة عصام..
بديع!! هه؟.. ما رأيكم؟

3 تعليقات

(سمير).. (سمير).. أشياء مشابهة..

سابقا في مذكرات طالب بالأقسام التحضيرية:
مذكرات طالب باﻷقسام التحضيرية
مسار الأف ميل:خطوة البداية (1)
مسار الألف ميل: خطوة البداية (2)
جولة سياحية معتبرة(1)
جولة سياحية معتبرة(2)
جولة سياحية معتبرة(3)
يوم أول!!

دخلنا الفصل لأول مرة.. هناك طاولات منفصلة وكراسي فردية أكثر انفصالا..
حمدا لله! إنتهى عصر المكراسي الخشبية القصيرة المزدوجة الملتصقة بالطاولات، تلك التي لا تسع لا ركبنا ولا مؤخراتنا.. كراسي تعودنا عليها منذ المدرسة الإبتدائية، مرورا بالإعدادية وانتهاء بالثانوي.. وهذه الأخيرة بالذات عرفنا فيها أحد أهم أضرار النمو الجسماني.. لقد اعتبرنا هذه الكراسي دوما إحدى الطقوس التربوية التي لا يمكن الإستغناء عنها.. لذا يمكنك أن تفهم فرحتنا غير المبالغ بها، واغروراق عينينا بالدموع حينما وجدنا كراسي تحترم أجسامنا أخيرا..
كنا أربعة من الشلة إياها بنفس الفصل.. كان ذلك رائعا لاننا لم نكن بحاجة إلى الجلوس منفردين كالقردة نتطلع إلى الآخرين بترقب.. كنا قد خلقنا مجالنا بمجرد أن وضعنا أقدامنا بالفصل..
ثم…
تبا!!
ليس مجددا!
إنه هو!
أكاد أقسم على ذلك..
لكزت (عبد الله) بمرفقي، لكنه كان غارقا في الحديث مع الآخرين.. أعدت اللكزة بقوة أكبر حتى كاد مرفقي الرفيع يخترق جانبه.. هنا انتبه إلي مجبرا..
-” إنه هو..”
قلتها بنبرة يائسة..
-“من؟”
-“جهاز الراديو المتحرك..”
-“من!؟”
ألقى نظرة حيث أشرت، فحرك رأسه إيجابا وقال بنبرة من رضي بالقضاء والقدر:
-“إنه هو بالفعل..”
يقولون أن الفرنسيين أسرع وأكثر أهل الأرض حديثا.. لكن هذا الشاب، الذي سندعوه هنا (سمير) أثبت لي بما لا يدع مجالا للشك أن المغاربة يمكنهم انتزاع اللقب بسهولة..
التقيناه لأول مرة حينما أتينا لتقديم شهادة الباكالوريا في بداية الصيف.. كان وحيدا.. جالسا بجانبي و(عبد الله)، بجسده الضخم ومحفظته الجلدية الأضخم.
لست أذكر من بدأ الحديث، لكنني لن أغفر لنفسي أو لـ(عبد الله) ما حييت لو كان أحدنا من فعل.. فقد كان ذلك إيذانا ببدء قناة (سمير) الإذاعية المتحركة..
استبسلنا بتحمل الأمر ما يقارب الساعتين ريثما نتمم إجراءات التسجيل ونفر بجلودنا.. وحينما أتت لحظة الأمل بالخلاص، أطلق (سمير) آخر مدافعه المبيدة للبشر بأن أصر، وكاد يحلف أغلظ الأيمان وأرفعها، بأنه ولابد مرافق لنا في جولتنا بأكادير لهذا اليوم..
أمام شخصية كاسحة كـ(سمير)، لا يمكنك أن ترفض شيئا.. ليس لأن شخصيتك ضعيفة، أو أنك لا تملك الحزم الكافي للرفض، بل لأنه يحرمك حتى حق التفكير بأن يمتص الأوكسيجين من محيطك ويخنقك ويصيبك بصداع قاتل، تصبح معه مجبرا على الموافقة فقط كي يخرس قليلا.. لكن أملا كذلك كان بعيد المنال..
أخَذَنا في البداية إلى مقر إحدى الجمعيات ذات الأسماء مرعبة الطول من طراز: “الجمعية الرياضية الثقافية الإجتماعية لرعاية الطفولة المحرومة والرجولة المفقودة اقتصاديا وسياسيا وسوسيو ثقافيا”..
إن سمير من الجنوب.. لكن لديه معارف بالميدان الجمعوي والحزبي أينما ذهب..
أذكر من ضمن شلال المعلومات الذي سكبه في آذاننا أنه عضو ببرلمان الطفل.. كنت قد نظرت إليه حينها باستهجان وأنا أزن عرضه قبل طوله.. لو كان هذا الفتى كله طفلا، فلا بد أنه كان في جسد يافع حينما ولد مباشرة..
طبعا لم أخبره بهذه الملاحظة لأسباب يطول شرحها.. وعلى العموم هو لم يكن يعطينا فرصة للتنفس فما بالك بالحديث..
وأخيرا حدثت المعجزة وافترقنا.. ويمكنك أن تقول بضمير هانئ أننا فررنا تقريبا بعد أن ابتدعنا جميع أنواع المسببات وتذرعنا بأشنع الذرائع..
قلت لعبد الله ونحن نكمل طريقنا فوق الرمال ونستمتع بنعمة السكون:
-“هل تسمع؟”
أجابني مباشرة:
-” الطنين..”
-“هو ذاك”..
صدقوا أو لا تصدقوا.. كان هناك طنين بآذاننا يشبه تماما ذلك الذي يلي الجلوس بجوار مكبر صوت قوي في عرس من الأعراس، حيث يتمتع المغني بخرم طبلة أذنك بصوته الشجي، وأغانيه الشعبية الفذة..
تفهمون الآن سبب حالة الإحباط التي أصابتنا حينما وجدنا الفتى معنا في نفس الفصل. إن أشنع كوابيسنا كان قد تحقق أخيرا.. ظننته لن يتواجد لفترة لا بأس بها لأنه سيظطر للسفر إلى أمريكا لسبب من الأسباب الجمعوية الحزبية الخرافية تلك.. لكنني اكتشفت فيما بعد أن شلال الحديث ليس موهبته الوحيدة.. و أنه يتمتع بموهبة استعراضية فذة من طراز “انظروا إلي”..
رغم كل شيء.. ورغم عيوب الفتى الفذة، فأنا مقتنع، وربما أكون الوحيد، أن الفتى طيب القلب.. ولقد كنت أحد أصدقائه القلائل دوما.. فهل كان يعتبرني كذلك؟

* * *

دخل الأستاذ الفصل أخيرا.. وكأي أستاذ رياضيات يحترم نفسه، كان أرفع من عصى مكنسة.. ولم يكن يهتم بمظهره كثيرا، لدرجة أنه في فترة من الفترات كان يترك لحته تنموا بشكل مجعد دائري غير عادي.. ولو فصلت رأسه عن جسده حينها فستجد صعوبة بالغة لتعرف مكان شعر الرأس من شعر الذقن..
كان مدخنا حريفا..
كان قاطرة بخارية قديمة..
بل كان كبركان (كيليمانجارو) ذاته..
لم يكن يدخن النيكوتين، بل يأكله.. فلم أر بحياتي من ينهي سيجارة حتى العقب في أربع أو خمس شفطات سواه..
كلما استعصى عليه برهان ما، يخرج لدقيقتين أو ثلاث كي يمتص سيجارة، يرمي العقب من الرواق نحو ساحة بالأسفل، ويدخل ليجد الحل مباشرة.. ولكم أن تتصوروا فراش أعقاب السجائر الذي كان يكسوا المنطقة التي يرمها بها.. هذا لو تبقى منها شيء أصلا.. لو كانت الأعقاب تبتلع، لفعلها الرجل بدون تردد..

حين ننام كأجولة البطاطس

3 تعليقات

عودة على استحياء..

مرحبا جميعا..
ابتعدت عن الكتابة والتعليق بالمدونة لأطول فترة لحد الآن منذ بدأت التدوين في ديسمبر الماضي..
افتقدتها حقا..
التدوين قهوة تهابها في البداية.. ثم ترتشفها على استحياء.. ثم تصبح عادة.. فتتحول إلى إدمان..
آلمني رأسي حقا في الفترة التي لم أدون بها.. أحسست بنقص نفسي ومعنوي لا بأس بهما.. لذا قررت العودة بسرعة..
أن تكتب شيء رائع.. لكن ان تكتب وأنت تعرف أن هناك من سيقرأ لك فهذا أروع..
لست ممن يدعون انهم يكتبون لأنفسهم.. لا أحد يكتب لنفسه وينشر.. لو كتب لنفسه فقط لأقبر أوراقه في درج مضلم في أحسن الظروف..

رغم ان الوقت لا يسمح.. رغم أنني الآن أكثر انشغالا مما سبق، لكنني بدأت أقتنع أن توفير وقت لشيء أعشقه ليس مستحيلا.. لذا سأحاول أن أكتب موضوعين إلى ثلاثة في الأسبوع مهما كانت الظروف..
أتمنى أن لا يتبخر هذا القرار كما يحدث دوما..

Leave a Comment

صورتا الديبلوماسيين المغربيين تذكرنا بخيبتنا فقط

تم اخطاف ديبلوماسيين مغربين بالعراق..
خبر وصلنا في توه ساخنا عبر وسائل الأنباء..
ثم كان هناك وقت صمت مجتمعي استغرق دهرا لا بأس به قبل أن يقرر أحدهم أن علينا أن نبدأ بالصراخ حفاظا على الصورة.. ونظمت مظاهرات بعد أكثر من أسبوع من الخطف.. ثم قررت جميع الهيئات أن تعلن استنكارها الشديد لخطف الديبلوماسيين المغربيين.. وضرب الجميع الأرض بأرجلهم كالأطفال..
وبعد فترة بسيطة، نسي الأطفال قطع الحلوى التي سرقت منهم، وكفوا عن الصراخ.. لكن قناتنا التلفزية الثانية قامت بعمل بطولي فذ: وضعت صورتي المفقودين مع برمجة عداد يتحرك كل يوم ليذكرنا بخيبتنا..
في حالة وفاة الديبلوماسيين، وهذا ما ألفناه مع مختطفي القاعدة الذين لا يفك سراح أسراهم إطلاقا، أتوقع أن ينسى موظفوا القناة الصورتين والعداد لأنهما أصلا كانا من ضرورات تجميل الصورة فقط، كما هو الحال بالنسبة لشعارات “فلنتحد ضد الحاجة” التي يظهر الجميع في التلفاز مرتديا إياها كلما أتت فترة التبرع.. أو لربما أخذهم الحماس ووضعوا صور هياكل عظمية في النهاية كما يحدث في ألعاب الفيديو..
أنا أعرف أن الموضوع لا يحتمل السخرية، لكنني أشعر بالتقزز فقط.. وحينما أفعل لا يمكنني الكف عن السخرية المقيتة..
تبا!..

1 Comment