“آلو!! أين انت؟”
“آلو!! ما الأخبار؟ قبل أن تنزل من غرفتك أحضر لي معك (كيلنيكس)! أنا بانتظارك باﻷسفل”
“آلو! هل يمكنك أن تمد لي تلك الملعقة أمامك.. هاتها! شكرا جزيلا..!”
هذه أصبحت صيغة المكالمات لدى العديد ممن أراهم من طلبة معهدي، ولابد أنها أصبحت الصيغة الرسمية لكل من قام بشراء موضة العصر: الهواتف النقالة لشركة “وانا” (WANA) الجديدة..
يبدو أننا كمغاربة لن نكف عن التصرف كالمحرومين مع أي شيء يتاح لنا بالمجان.. مكالمات مجانية من الآن وحتى شهر يوليوز ما بين هواتف “وانا” الجديدة..
فرصة وأية فرصة! من هو هذا المغربي الذي سيقاوم هذا الإغراء؟
من اشتروا الخدمة أصبحوا يأكلون وهم يتحدثون في الهواتف.. ينامون وهم يتحدثون.. يستيقظون وهم يتحدثون.. يدخلون الحمام وهم يتحدثون.. بل ويتحدثون إليك شخصيا وهو يتحدثون في الهاتف في نفس الوقت.. ياللسعادة السعيدة! (لو سمحتم لي بالتعبير).
في اليوم الأول للاعلان عن بداية بيع الخدمة، أقيمت مظاهرات وصراعات وطحن للحم البشري أمام بوابات هذه الوكالات من أجل الحصول على هذه النعمة. ووصل الأمر إلى تدمير زجاج إحدى الوكالات من شدة الضغط! ناهيك عن تدمير عظام بعض المتزاحمين ذاتهم بعد نقاشات ودية بين بعضهم البعض، استخدمت فيها القبضات كوسيلة حضارية للتعبير عن المعارضة في الرأي وفي حيز المساحة التي يشغلها جسد كل منهم في صف الإنتظار.. هذا لو كان يمكننا أن نسميه صفا!
لست أفهم حقا ما الذي يحدث؟ لا أستطيع ان أستوعب درجة الغوغائية التي وصلنا إليها! كما لا أستوعب كيف لم يتمكن كل هؤلاء المتزاحمون من فهم اللعبة التجارية الواضحة للشركة الجديدة التي لم تقدم هذا العرض، المغري في خارجه المكشوف من داخله، لا لسواد عيوننا ولا لجمال وبهاء طلعتنا.. ألم يتساءل أحد عن سر إزالة خاصية الشريحة الإيلكترونية من هذه الهواتف؟ أجل.. هاتفك ذاك الذي تتبجح به مربوط مدى الحياة بشركة (وانا)، هاتفك المتنقل ذاك أصبح هاتفا ثابتا آخر مع اختلاف في مساحة بيتك التي تحولت إلى مساحة مدينتك.. ألم يتذكر أحد قط فترة دخول ميديتل (Meditel) للعبة، وكيف انها شجعت الجميع بعروض مغرية على اقتناء خطوطها وهواتفها.. وفي النهاية، تربعت إلى جوار “اتصلات المغرب” بنفس الأسعار الاستغلالية التي تم الاتفاق عليها، والتي تعتبر أربعة إلى خمسة أضعاف أسعار الاتصال في أية دولة تحترم نفسها.. مع العلم أن كلها فروع لشركات أجنبية تعرف تماما حيز الأسعار المعقول الذي تطبقه هي نفسها في دول أوربية..
هل يتصور أحد أن “اتصالات المغرب” هو الفرع الذي يدر أكبر نسبة مداخيل لشركة “فيفاندي” (Vivandi)، من بين جميع فروعها العالمية الأخرى..
وكل هذا بصبب وفاء (غباء) المستهلك المغربي، الذي ما فتئ يقبل بنهم على عروض ضعف التعبئة والتهفيضات الخرافية من طراز “تخفيض 10 سنتيمات عن كل دقيقة”..
وفي النهاية، لا يسعني سوى أن أقتبس من الأغنية الشهيرة: “وانا وانا.. في لهيبي.. وعذابي يا حبيبي.. علشانو أموت أنا”..