هنالك نوعان من البشر كتب عليك تحملهم إجبارا، مهما كان ما يقولونه مملا: سائقوا سيارات الأجرة، وذلك لأنك لا تستطيع أن ترمي بنفسك خارجا رغم أن الإغراء شديد في الكثير من الأحيان.. والحلاقون، لأنك لا تسطيع أن تترك رأسك بين أيديهم كي يفر باقي جسدك بجلده..
فلندع سائقي التاكسيات إلى مقام آخر، ودعونا نتناول الحلاقين..
حينما كنت أدرس بالرباط، كنت مجبرا كالعديد من الطلبة على أن نحسن من شعورنا لدى وزير الحلاقة بـ(الكامبوس).. وهذا اللقب يستحقه الرجل بالتأكيد.. بلباسه الأنيق الدائم، وربطة عنقه المختارة، والشيب الذي وحط فودية (لأنه لا يملك شعرا كافيا في المناطق الأخرى) ..والأهم من هذا، بطرقة كلامه المتعالية التي تذكرك بأحد (كيردينالات) العهد الفرنسي البائد. هذا الرجل لا يتعامل مع أية رأس كانت.. لا بد لهذه الرأس أن تفوح برائحة النقود أو السلطة أو الصداقة الشخصية.. إن لم تدخل تحت أي تصنيف منها فأن لا تستحق أن يلمس شعرك بيديه الكريمتين.. ومصيرك هو العامل الأجير الذي يضعه بالمحل لأعراض كهذه.. هذا الأخير، قبل أن يتم تعويضه بآخر، كان هو الآخر يكاد يصيبني بالجلطة من فرط ثرثرته.. لا والأشنع من هذا هو ذلك التواضع الخرافي الذي يقطر من جمل على شاكلة:
-“هل رأيت كيف تمكنت من فهم شعرك؟”.. على اعتبار أن شعري سر فلسفي من أسرار الكون.
أو:
– حقا! لن تتمكن من إيجاد شخص (يصرع) شعرك بهذه الطريقة..”.. أنت تكاد تصرعني شخصيا يا محترم!
المهم أنني أحمد ربي كلما سقطت بين يدي حلاق يباشر عمله ويتمتع بنعمة الخرس.
بالأمس، في مدينتي الأم (تيزنيت)، كان الأمر مختلفا نوعا ما، إذ أنه كان هنالك نقاش جماعي أعفاني أعضاؤه من المشاركة به لحسن الحظ، لكنني ظللت مستمعا وفيا، رغم أنفي، طيلة الوقت الذي أخذه الأخ الحلاق ليحول رأسي إلى كتلتين شعريتين بينهما فجوة جغرافية.. (ذكروني أن لا أحلق بتيزنيت مجددا)
النقاش كان يدور حول مسألة إضافة الساعة لتوقيت المغربي. وهو لعمري نقاش ممتع جدا حينما ترى ذلك الكم من النظريات الكوميدية التي تلتصق به. تابعوا الحوار (الجمل بين قوسين هي تعقيبات مني طبعا):
– إذن علينا أن نضيف الساعة غدا؟
– كلا يجب أن تضيفها اليوم في منتصف الليل.. (ذكي!)
– علينا أن نسهر حتى منتصف الليل؟ (حلاوتك!)
– لو لم ترد ذلك فيمكنك أن تنتظر إلى الغد! (الحل العبقري)
– لكنني غدا لن أتمكن من الاستيقاظ في الوقت المألوف.. (هل من زجاجة سيانيد لأنتحر؟)
هنا يتدخل عبقري آخر:
– بأية ساعة سنعمل الآن؟ الساعة القديمة أم الجديدة؟ أظن أن هذا سيشكل مشكلة في المواعيد مثلا. فسيسألك من تضرب له موعدا إن كان بالتوقيت القديم أو الجديد.
– لا يوجد توقيت قديم أو جديد.. هو توقيت واحد. السابعة هي السابعة والثامنة هي الثامنة. (الاضافة الأخيرة هي توضيح عبقري من طراز “رقاصة وبترقص..”)
– أنا سأحتفظ بساعة هاتفي النقال على التوقيت القديم وأضيف ساعة إلى ساعة يدي.. (هذا هو الرجل الفذ الذي أتى بالحل)..
هكذا ترى أن المواطن البسيط ليس مهتما بشكل كبير بمسألة الأسباب والدوافع، بقدر ما هو مهتم بمشكلة ساعته ومواعيد القهوة خاصته. أما أنصاف المثقفين خاصتنا فد ارتموا مباشرة في أحضان انتقاد المسألة على اعتبار أنها لن تفيد في شيء، وهذا فقط لأن المسألة مقترح حكومي..
يا جماعة، ما ليس لكم علم بأسبابه و بمردوديته فليترك المجال لأصحابه ولا داعي للجعجعة!
9 تعليقات