تجاوز المحتوى

التصنيف: نافذة ساخرة

تجميع مقالاتي الساخرة

حكماء الزمن المعاصر

814985254_0885b7e8721.jpg

المتابعون منكم لما تخطه لطيفة، قد قرأ حتما تدوينتها الأخيرة فرشاة أسنان، والتي ليس بين عنوانها ومضمونها إلا الخير والإحسان.. لو شرحت لي لطيفة هذه العلاقة أكون لها شاكرا، لأن الفضول قتل القط، وأنا قط كبير..
تتحدث لطيفة عن هؤلاء المتعالين، الذين يمتنعون عن إلقاء التحية، وأولئك الذين لا يتورعون عن أن يحشروا أنوفهم حشرا في خصوصياتك بطريقة فجة، دون مراعاة لأسلوب تقديم النصح بروية..
حديث لطيفة يجعل مجموعة من الأسماء تتقافز إلى ذهني من هواة الظاهرة الثانية.. الفصيلة الأولى لا تضايقني، فهم الذين يضيعون أجر إلقاء التحية على أنفسهم، وهم بذلك لا يضرونني في شيء.. إنما القبيلة الثانية هي التي تثير الأعصاب فعلا.. وأفراد هذه القبيلة يمكن تقسيمهم إلى مجموعات محدودة:

  • مجموعة القيء: تقوم هذه المجموعة بطرح آرائها في الحياة بشكل يتحول تدريجيا من الحديث عنك إلى الحديث عن ذواتهم الشخصية.. وهكذا بعد أن كنت تعاني من مشاكل خاصة، تصبح غارقا في مجموعة متنوعة من المشاكل التي لا تفهم لماذا تسمعها، وما علاقتها بقضيتك التي لم تطلب رأيهم فيها أصلا.. فائدة هذه المجموعة أنك مع مرور الوقت وارتفاع ضغط القيء الذي يمارسونه تنسى تماما كنه مشكلتك، وكيف انطلق الحديث؟ وكيف وصلتم إلى تلك النقطة المتقدمة التي بدؤوا يحدثونك فيها عن دمل في أصبع قدمهم الأصغر؟
  • مجموعة هستيريا البكاء: وهذه امتداد للمجموعة الأولى، بالإضافة إلى كون عضوها يكون عادة فتاة تربطك بها علاقة ما.. وفي النهاية تجدها قد أجهشت بالبكاء لسبب لا يعلمه إلا الله.. المشكلة مع هذه المجموعة أنها قد تتمخط على كتفك لو كانت علاقتكما من النوع الذي يسمح بأن تعانقها للمواساة.
  • مجموعة “كان غيرك أشطر”: هذه المجموعة تؤكد بعنف وبجنون أن لا تحاول! فمهما حاولت فمصيرك الفشل! يتلخص منهجهم في الحياة في أن يسببوا لك القرف في حياتك وأن يقنعوك أنك أفشل خلق الله.. وهم يصبغون كلامهم دوما بصيغة “أنا أريد مصلحتك فقط.. لا أريدك أن تصدم في النهاية..” .
  • مجموعة يالك من حمار: هؤلاء هم علية القوم.. هم الكرزة فوق التورتة على رأي الأخوة الفرنسيين.. هؤلاء لا يضعون أي اعتبار لما قد تعنيه لك كلماتهم.. هم فقط يرونك مجرد حمار كبير لا يفقه في الدنيا شيئا، وأن عليهم واجب قومي يتلخص في أن يشرحوا لك مدى طول أذنيك: “اختيار سيء!”.. “ذوقك بذيء يا أخي!”.. “مستواك ضعيف في هذا الـمجال!”.. “عليك أن تتمرن أكثر إن كنت تريد أن تجارينا”.. إلخ إلخ إلخ!..

العباقرة موجودون في كل مكان.. في العمل.. في البيت.. في الشارع.. تحت السجاد.. عليك فقط أن تتعلم كيف تتجاهلهم!

5 تعليقات

المسكوت عنه!!

newspaper

جلست رفقة صديقي كريم أتناول إفطاري كالعادة في ذلك المقهى الذي اشتركنا به تقريبا مؤخرا بالرباط. إحدى مزايا هذا المقهى، بالإضافة إلى حبة الحلوى التي يقدمونها مع كل مشروب، هو أنهم يشترون جرائد يوميا ليقرأها الرواد. لذا تفهمون كيف وجدت تحت يدي عدد اليوم من جريدة “النهار المغربية”، وهو جرم لم أكن لأرتكبه عمدا وأنا في كامل قواي العقلية. المهم أنني وجدتها فوق الطاولة مفتوحة على صفحة سموها “المسكوت عنه“.. حينما تقرأ وصف الصفحة الذي كتبوه في كيلومترين، تكتشف حقيقتين:

1-لا تجد الجريدة ما تملأ به صفحاتها العشرين..
2- تستعمل الجريدة خطابا دينيا لتبرر حاجتها إلى صفحة تجارية كهذه تستغل الكبت المغربي المتأصل.

لا حياء في تقديم الثقافة الجنسية المشروعة أو طلبها، ينبعب أن نكون على ذكر من ان الله سبحانه وتعالى قد انزل في كتابه الكريم من امور الجنس شيئا كثيرا…

ثم الكثير من البلا بلا بلا بلا.. غني عن الذكر طبعا أنني نقلت العبارة حرفيا.. بمعنى أن الفاصلة في الجملة موجودة فعلا وكأن الكاتب لا يفهم ما معنى النقطة، ولا يجد مكانها في لوحة المفاتيح.. كما أننا لا ننسى أننا “يجب أن نكون على ذكر من أن الله سبحانه وتعالى”.. فليشرح لي أحدكم كيف يمكننا أن نكون على ذكر من شيء ما!
ما علينا.. بالبنط العريض نجد العنوان: “أسباب تدفعك إلى تجنب العلاقة الجنسية!”..
الخطاب هنا أنثوي، والمقال يبدو طويلا أكثر من اللازم، لذا ابتعدت عن قراءته، واخترت عمودا قصيرا جدا على الجانب الأيمن.. العنوان: “ما يساعد الزوجة في الإبداع الجنسي“..

إليكم بعض الاقتباسات من المقال مع تعليقات من عندي:

قلما تجد زوجة تمارس العلاقة الزوجية بفن واحتراف…

أجل أجل.. أغلبية الزوجات المغربيات تلعبن في البطولة الوطنية فقط للأسف.

السؤال ما هي فنون الجنس النسائية؟

الجنجتسو، والتايكوانسو، والكونجنسو..

المراة التي تحترف فن التقبيل.. حركة الشفتين تكون بدقة متناهية.. تمرير اللسان في أرجاء فم الزوج(…) فن اللمس.. يدان ناعمتان تتحسس كل نقطة في جسد الزوج.. تعرف متى يكون الضغط… ..؟ ومتى يكون التمرير. ؟

على كاتب المقال احتراف التعليق الرياضي كما ترون.

الفنانة تعرف كيف يبدأ الجماع …؟ ومتى ينبغي أن يبدأ..؟وهذا صعب التطبيق.. ويسمى فن التعذيب. ………؟؟

فن تعذيب القراء طبعا.. ما هذا الهراء؟

أثناء الجماع تفاجيء زوجها بحركة لم تكن في الحسبان

خاوية فعامرة..

لا تنهي الجماع بسهولة…

كاجتماعات مجلس الأمن تماما.

إنه فن فطري ينبع من الداخل ويصب في كل الاتجاهات

لغة الخشب حتى في هذا النوع من المواضيع.. هذا مرض مغربي عضال..

خلاصة القول وعصارة الأفكار أن كاتب المقال لم يجد شيئا آخر يفعله، مع العلم أن مقالات الصفحة بأكملها غير محددة الكاتب، وهذا شيء مفهوم طبعا..

ملحوظة: كل الأخطاء اللغوية والطباعية التي لا تغتفر بالإقتباسات نقلت كما هي.. وأنا أتساءل الآن عن كنه كل تلك النقط التي تسبق علامات الإستفهام في بعض المناطق الحساسة، وعن كنه النشاط الذي يمارسه الكاتب خلالها.. (السيد مرفوع!)
هنالك أيضا في النصف السفلي من الصفحة باب اسمه آدم وحواء، يحوي إعلانات عن من يبحثون عن شريك حياتهم.. هنالك مرح كثير في بقية الصفحة، لكنني سأدعه للتدوينة المقبلة..

9 تعليقات

ثورة الانترنت النقال (وسلم لي بحرارة على لا محدودية الاستعمال)

جلست لأكتب هذه التدوينة وأنا أرشف قهوة الغذاء..
تساءلت أول وهلة عن التصنيف الذي أضعها فيه، إذ أنني ألفت التدوين مؤخرا في تصنيف “قهوة الصباح“..
لم يكن الوقت صباحا، وخلق تصنيف “قهوة الغذاء” سيكون غريبا نوعا ما، إذ سنجد قريبا “قهوة بعد الظهر” و”قهوة المساء”، ولو بالغت في الحماسة “قهوة منتصف الليل”.. لذا أفضل أن أكتب في تصنيف لم أضف إليه جديدا منذ مدة : “نافذة ساخرة“..

تناولت وجبة الغذاء منذ قليل.. منذ فترة ولا أنا أتناول سوى وجبات الـ “Take away”.. أخاف أن يبحثوا عني بعد فترة وسط ملابسي فلا يجدونني.. فالسمنة تهمة لم يتهمني بها احد من قبل، ومع نظام غذائي كهذا سأختفي عما قريب.. “الستار الله”..

لا بأس بأن نبقى في جو المأكولات لأقدم لكم وصفة مبهجة لتحضير وجبة خفيفة تسمى “الانترنت النقال”..
منذ فترة وأنا أتابع بين الفينة والأخرى آخر أخبار العروض.. وحينما حان الوقت لأقتني واحدا، بدأت أحشر أنفي بشكل أوسع في التفاصيل لأصل إلى نتائج مبهجة أشارككم إيها بكل سرور..

بداية، أنا أتحدث عن عروض العموم وليس عروض الشركات.. لذا لن أتحدث عن عرض شركة wana للأفراد لأنه ينتمي إلى عصور ما قبل التاريخ بسرعة اتصاله الحلزونية..

دعوني أتحدث الآن عن العروض ((اللامحدودة)) التي أتحفتنا بها مؤخرا شركة Meditel..

internet-mobile.jpg

حاليا هنالك ثلاثة عروض..
– عرض « 3.5Mb/s » بثمن
– عرض «1.5Mb/s » بثمن 349 درهما شهريا..
– عرض «0.5Mb/s » بثمن 199 درهما شهريا..والعرض الأخير عليه العين مؤخرا بسبب انخفاض تكلفته مقارنة بنفس السرعة في الاتصال السلكي لدى شركة (اتصالات المغرب).

دعونا الأن نركز قليلا، ونحرك الفأرة بذكاء وحب استطلاه بسيط، مع القليل من المعرفة التقنية كي نحول كل هذه العروض إلى هراء..

الوصفة في غاية السهولة سيدتي (مع الاعتذار عن الأسلوب لأصحاب الشنبات):

– تدخلين على الوصلة التالية: Internet Mobile Plus
– تستمتعين بكل تلك المقدمات الفلاشية على طراز شوماخر، والتي توحي – وتكتفي بالإيحاء- بالسرعة القصوى وتكسير القيود..

– ركزي سيدتي على كلمة « Illimité » التي ترمى هنا وهناك، وتكاد تفقز في وجهك بين كل كلمة وأخرى..

– الآن تضغطين على وصلة FAQ في القائمة العلوي..

– هنالك سؤال بديع يقول: “Est-ce que l’internet Meditel est illimité ?” ..
بمعنى: هل انترنت Meditel غير محدود..
الجواب بالداخل يقول ما معناه : “بالتأكيد.. يمكنكم الإبحار على الانترنت بدون أي تحديد في السرعة أو السعة وبكل حرية”..

– لاحظي سيدتي رقم “1” الصغير بجانب كلمة “حرية”.. وتعالي معي إلى الجملة التعقيبية الموضوعة بالأسفل بجانب نفس الرقم..

– الجملة تقول: “للحفاظ على جودة خدمة عالية، يمكن لسرعة الاتصال أن تنخفض عند تجاوز:
1.5 GB بالنسبة لاتصال 1.5 Mbps
3.5 GB بالنسبة لاتصال 3.5 Mbps
كي أشرح الأمر ببساطة، الوسيلة الوحيدة التي اعرفها لتخفيض هذه السرعة، هو مرور المستخدم من شبكة 3G إلى شبكة GPRS ذات سرعة اتصال من العصر الحجري..
هذا، سيدتي، هو الحفاظ الحق على جودة الخدمات ((غير المحدودة)) كما تلاحظين..

– ليس هذا كل شيء يا سيدتي.. يمكنك الان المرور إلى السؤال الموالي، والذي يشرح لسيادتك ما يمكنك فعله بتلك الهدية الرائعة: “3.5GB، و 1.5GB”..
1.5GB تسمح لك بإرسال 150000 رسالة إليكترونية أو (لاحظي معي قوة هذه الـ”أو” هنا) الإبحار على النت لمدة 150 ساعة، أو تحميل 750 أغنية.
3.5GB تسمح لك بإرسال 500003 رسالة إليكترونية أو (لاحظي معي قوة هذه الـ”أو” هنا) الإبحار على النت لمدة 503 ساعة، أو تحميل 1800 أغنية.
هنا، سيدتي، من المفروض ان تسقطي مغشيا عليك من فرط الانبهار.. أتمنى فقط أن أعرف من الذي استمتع بتحرير هذه الفقرة؟ فهو إما جاهل كبير في هذه المسائل (وهذا شيء مستبعد)، أو يعتبر المغاربة مجتمعا من حمير الجر على الأرجح..
– لم تنته الوصفة بعد يا سيدتي.. هنالك سؤال مثير آخر يقول: “ما هي خدمات الويب محددة الاستعمال؟”
تلاحظين أن هنالك انفصاما مثيرا في الشخصية هنا لأننا لم نعد نتحدث حسبما أرى عن “أنترنت غير محدود”..
الجواب على السؤال يقول بكل صفاقة: “من أجل تلبية حاجيات كل زبنائنا، Meditel لا تحدد الدخول إلى أي موقع انترنت، لكنها تحدد الاستعمال غير المنطقي لبعض الخدمات.. الخدمات المعنية هي الـ P2P التي تضم مجموعة البرامج كـ Kazaa و Emule، و Ares، و كل برامج التورنت.. بالإضافة إلى خدمات الـ VoIP كبرنامج الاتصال الشهير Skype على سبيل المثال…”
هذا جزاء الأشرار الذين يحملون من النت..
من يريد هذا الاتصال الآن فقط عليه أن ينسى أي برامج من هذا النوع، كما عليه ان لا يحاول أن يدخل مواقع مثل youtube وغيره لأنه سيجد نفسه باتصال من العصر الجوراسي بأسرع مما يظن.. (سرعة اتصال سلحفاة مصابة بالبواسير لو أردت تشبيها واضحا)..
هكذا نكون أتممنا وصفة الانترنت النقال غير المحدود، ونتمنى أن لا يحاول أحدكم البحث عن كاتب تلك العبارات لاغتياله على سبيل المرح لان هذا لن يكون في صالحكم..

قبل أن أنهي فقرة اليوم، هنالك معلومة بسيطة للمغفلين أمثالي، والذين يحتاجون اقتناء هذا الاتصال مجبرين لضرورة الابحار فقط، فلحد الآن، ورغم أن الشركة صدعت رؤوسنا بالعرض الأخير، فلا يوجد أثر للمودمات لدى وكالاتها.. باعتبار أن المفقود مرغوب..

حفظني الله وإياكم من الإصابة بالجلطة..

10 تعليقات

إعلان كوميدي

أحصنة تركض!
حوافر تشق طريقها عبر تربة حمراء، وذيول تهتز بحركة بطيئة رشيقة خلابة..
وفي مشهد سلس رائع تتحول الأحصنة إلى قطار سريع من نوع “الرصاصة”..
مشهد فذ: القطار يمر فوق قنطرة حديدية عملاقة معلقة في الفضاء فوق نهر رقراق صاف.. وعلى صفحة المياه تنعكس صورة الأحصنة ترافق حركة القطار بانسجام باهر..
بعض اللمحات الإخراجية، والمؤثرات البصرية بتقنيات ثلاثية الأبعاد.. تم يدخل القطار محطة متطورة لا أظن اليابان نفسها تتوفر على مثلها.. ويتوقف بكل سلاسة..
هناك.. يظهر رجل ذو ملامح أوربية أكثر من اللازم، يبتسم ابتسامة أسمج من اللازم، ويغادر تاركا عدسة الكاميرا تتجه لتلتقط مشهد ساعة حائطية عملاقة رائعة..
ثم اللقطة الكوميدية: “يظهر شعار ONCF الخاص بالمكتب الوطني للسكك الحديدية.”
أكتد أبكي من شدة التأثر، لكنني في النهاية لا أستطيع كتمان ضحكتي المجلجلة التي أطلقتها وسط الجماهير المندهشة في محطة القطار Casa port..
مشهد مرعب! مرعب!!
إن مسؤولي المكتب مولعون بالخيال العلمي على ما يبدو..عمل متقن رائع لا تأتي به إلا قريحة مخرج محترف موهوب، ومؤثرات بصرية ذات تقنية عالية.. المشكلة الوحيدة هنا تتلخص في سؤال واحد بسيط : “ما العلاقة؟”.. أين يتوقف الواقع ويبدأ الخيال في ذلك الإعلان المبهر؟ الحقيقة أن الجواب سيكون مخيبا للآمال، إذ أن الواقع لن يتوقف لأنه لم يبدأ أصلا! كل لقطات الإعلان خيال في خيال.. وخيال مغرق في الخيال أصلا!!
من المعروف أن الاعلانات تعتمد على تجميل المنتوج وإظهاره بأبهى حلة، لا أن تظهر ذهبا وأنت تتحدث عن خشب مثلا!
لا يزالون يملكون قطارات قديمة فقط، وحتى وإن كانوا قد أحضروا واحدة جديدة فهي ليست بالمستوى الرائع، ولا تفرق عن الموجود أصلا إلا بأنها من طابقين ولا تتوقف في أغلب المحطات الثانوية، مما يوحي بأنها أسرع! غير ذلك، لا أجد فرقا كبيرا! مع العلم أن أغلب القطارات الجديدة مركون حاليا في انتظار تحوله إلى كتلة حديد صدئة صالحة للاستهلاك المغربي المعتاد!
أما عن المسافر الذي يبتسم في بفرح في الإعلان، فلست أظنه يمت للواقع بأية صلة. فبغض النظر عن ملامحه الأوربية الواضحة، لا أحد يجرؤ على الابتسام في محطة القطار بعد تأخر هذا الأخير لأكثر من نصف ساعة، وهو معدل التأخرات المعتاد المألوف التي قد تصل إلى أكثر من الساعة والنصف في أيام الأعياد والمناسبات للضغط الشديد على القطارات.
دعني الآن أصف لك المشهد داخل أي قطار في يوم من أيام عطل الأعياد: باختصار، ستكون واقفا بتأثير الالتصاق. يمكنك أن تريح قدميك قليلا بتخفيف الضغط عليهما، أو رفعهما عن الأرض تماما دون أن تخاف من السقوط لأن الضغط الجانبي كفيل بحملك.
ستجد كوع أحدهم مغروسا في بطنك، ومرفق آخر يكاد يقتلع حنجرتك من مكانها، في حين يحاول ثالث إخراج إصبعه الذي دخل أنفك مصادفة، ورابع يخرم لك عينا كلما أراد أن يتحرك، ولا ينسى أن يعتذر إليك بكل تهذيب بأن يدوس قدمك وهو يجاهد للخروج في المحطة القادمة.
انس المرحاض لو كانت الطبيعة تناديك.. أما إن كنت مصابا بالتهاب البروستاتا، فمن الأفضل لك أن ترتدي حفاظات قبل الركوب.
انس تحريك أي طرف من أطرافك في حالة تنميلِه، فلن تستطيع ذلك قط..
انس محاولة النزول في أية محطة ثانوية، لأنك لن تصل إلى الباب في الوقت المناسب قط.. إلا لو كنت من أصحاب الجثث العملاقة من نوع البوابات المصفحة.. حينها يمكنك ببساطة أن تدهس عشرين مواطنا وتقتل مواطنا أو اثنين على سبيل الترفيه كي تنزل في المحطة التي تحب!
يتحدثون عن الراحة.. يتحدثون عن الأمان.. في حين لا يستطيع حتى ركاب الدرجة الأولى ضمان أمكنتهم أوقات الضغط الشديد بعد أن يهجم ركاب الدرجة الثانية على مقصورات الدرجة الأولى.. وإلى من يمكنك أن تشتكي؟ لا أحد طبعا في مثل تلك الأحوال التي يختفي فيها كل المسؤولين من القطار، ولا يستبعد أن يكون هذا الأخير يتحرك آليا بالبركة بعد أن يفقز السائق بدوره فارا من تلك المهزلة..
في عطلة عيد المولد النبوي السابقة، تأخر القطار في الوصول إلى مدينة مراكش لأكثر من ساعتين.. وحيث أن هنالك تذاكر للربط المباشر بين الرباط وجنوب مراكش عبر شركة الحافلات (سوبراتور) التي تنطلق في وقت محدد، فإن الركاب المتوجهين للجنوب لم يجدوا الحافلة بانتظارهم لإتمام الرحلة. لأن هذه الأخيرة كانت قد تحركت بالفعل. ثم بدأ الركاب بالمطالبة بحقهم، ولجؤوا إلى الاحتجاج مع ساعات الصباح الأولى، بعد أن لم يهتم أحد لأمرهم وشكواهم الهادئة.. حينها كان الرد المباشر هو حضور رجال مكافحة الشغب لا لشيء سوى لأن الملك كان في زيارة للمدينة ذلك اليوم، وليس من المستحب أن تصله بشائر أخبار من ذلك النوع..
هكذا يعامل المواطنون الشرفاء ببلدنا السعيد حينما يطالبون بحقهم بعدم التعرض للنصب والاحتيال.. بالعصى لمن عصا..
فهنيئا لنا بمكتب سككنا الحديدية..
وهنيئا لنا ببلدنا العامر!

8 تعليقات

الفنون جنون

تتوقف مليا أمام تلك اللوحة التشكيلية بالجدار!
تميل رأسك يمينا:بيضة مسلوقة!
تميل رأسك يسارا: بيضة مسلوقة!
تقترب من اللوحة فتكاد تقسم أنها بيضة مسلوقة..
تبتعد عن اللوحة فتؤكد قسمك بأنها بيضة مسلوقة..
تقرأ اسم اللوحة فتجد: “الحرية” !!!!
تحك رأسك.. تبحث عن علاقة الحرية بالبيض المسلوق.. ولو كنت من النوع المتحمس فقد تبحث عن صاحب اللوحة لتسأله، فيجيبك بعبارات من طراز “إن خروج الفرخ من البيضة يعبر عن انعتاق الذات الروحية من سجون الماضي.. هذا عن الفكرة السطحية التي تبدو للوهلة الأولى.. ولكنك إن ركزت في ضربات الفرشاة في الزاوية اليمنى السفلية، فستنتبه إلى لمسة العبودية الواضحة من احتكاك قشرة البيضة بأرض الواقع المرير!.. ثم إن …”..
بعد أن ينتهي من محاضرته الوجيهة، تلملم بقايا فكك السفلي الذي كنس الأرض كنسا وأنت تدليه ببلاهة.. ثم تقسم أنك لن تسأل مجددا عن أي شيء آخر بحياتك..

ياللهول!
ياللرعب المرعب!
لا بأس.. على الأقل هنالك لوحات حتى وإن لم تفهم معانيها فهي تحمل قدرا من الجمالية الفنية التي تمكنك من ابتلاع كل الخزعبلات المحاطة بها، وتكتفي بأن تتذوقها بإحساسك الخاص.. ولكن المشكلة الأفظع، هي حينما يحضرون لك مجموعة من اللوحات التي يمكنك اختصار وصفها في كلمة واحدة : “شخابيط”، ثم يصرون بعد ذلك أنها لوحات الفنان التشكيلي “المبدع” فلان الفلاني (دائما تجد أسماء من الوزن الثقيل اجتماعيا كـ (بنيس) و (الشرايبي) و غيرهم).
لا زلت أتذكر لوحات “الشعيبية البدراوي” التي اتهموها ظلما أنها فنانة شعبية فذة، ترسم بأصابعها فقط مستخدمة ألوانا من الثرات الإنساني.. وتعطى للوحاتها أبعاد سوسيولوجية ثقافية خرافية رغم ان السيدة أمية أصلا.. ثم يأتون في النهاية ليخبروك أن الإبداع بكر غير مقيد بغبار الثقافة..
الناظر إلى لوحات “الشعيبية” يرى لوحات من التي يبرع بها أطفال الست سنوات، من وجوه وشموس صبيانية وغير ذلك من اللوحات التي رسمت شخصيا المئات منها حينما كنت صغيرا دون أن يتهمني أحد بأنني فنان..

اليوم، و بعد انتهائي من تناول وجبة الغداء بمطعم “صندوق الإيداع والتدبير”، خرجت إلى الردهة التي يقيمون بها معارض تشكيلية متتالية.. اتجهت نحو لوحة من اللوحات فوجدت التالي: شريحة إليكترونية ملئية بالمضخمات العملياتية والمقاومات والمكثفات.. مغروسة في قطعة مربعة من الصلصل، وبجانبها غرست بوحية فسيفسائية صغيرة، وفوقهما شريحة هاتف خلوي..
بقيت للحظة مشدوها.. ما هذا بالضبط؟
ذهبت لألقي نظرة في قائمة الأثمنة فوجدت “اللوحة” إن كان لنا أن نسميها كذلك تساوي 8000 درهم (ما يعادل 1000 دولار تقريبا)..
وفي تلك اللحظة ركضت عاربا كي لا أنفجر ضحكا في المكان!
اللهم لا نسألك رد القضاء، وإنما نسالك اللطف فيه!

13 تعليق

أراد أن يكحل عينيها، فخرمهما!

يقول مثل شعبي شهير: جا يكحلها، عماها!”..

ويقول مثل آخر: “يا محبوك.. يا متروك..”..

تبدو لي كل المحاولات ببلدنا العامر تقاتل باستماتة لتطبيق مثل من الاثنين، أو هما معا..

بعضكم يذكر حادثة السويسي التي تحدثت عنها سابقا. كل تلك الفواجع حدثت بسبب مراهق سكير يقود سيارة مرسيدس، سكيرة أيضا على ما يبدو، وهو لا يزال في سن تسمح له بأن يغير (الكافولة) دون حرج كبير. ويبدو أن الطريق الواسعة الممهدة بدت له مناسبة لتجربة قوة عضلات قدميه في الضغط على دواسة الوقود! إنها نفس الطريق التي يمارس فيها الشباب الرقيع ليلا مسابقات على غرار أفلام كـ (2 Fast 2 Furious ) دون أن تحرك أجهزة الشرطة ساكنا لردعها. وأنا أفهم حقا، وأرق لحال سياراتهم التي تعتبر كسلاحف مصابة بالبواسير مقارنة بالسيارات والدراجات من جهة، وأرق من جهة أخرى لحال مؤخرات بعضهم والتي قد تتخلى عن كراسيها لو تمكنوا من القبض على ابن الوزير أو الجنرال الفلاني، أو حتى رجل الأعمال والأفعال العلاني.

من غرائب الأقدار أن المكان الذي حدث به الحادث الذي طارت فيه سيارة أجرة في الهواء، هو نفس المكان الذي قتل فيه طالب آخر لنفس السبب قبل ذلك بسنتين.. والآن فقط، وبعد أن حدث ما حدث، انتبهت الجهات المسئولة إلى خطورة هذه الطريق، وإلى ضرورة وضع “ظهور حمير” بها.. وظهور الحمير هذه تعبير فرنسي عن الحدبات التي توضع على الطرقات لإجبار السائقين على تخفيض السرعة كي لا يجدوا أنفسهم محلقين نحو زحل أو يمتعوا أسماعهم بأصوات تهشم نوابض سياراتهم.

كل هذا جميل! كل هذا رائع! وسيساهم في إنهاء المشكل العويص، وفي نفس الوقت سيساهم في توليد مشكل آخر. فقد سقط على الجهات المسئولة كرم حاتمي غريب لدرجة أنها وضعت أغزر تشكيلة “ظهور حمير” رأيتها في حياتي.. حتى أصبح الراكب يظن نفسه (درغال) يمتطي (السعادة) (*) في إحدى دورات أسبوع الفرس. وبالتالي، أصبح عدد سيارات الأجرة التي تجول بالمكان يتناقص يوما بعد يوم.. بل إن بعضها يرفض أخذك إلى العرفان لو كنت في مكان آخر! وحتى لو قبل فلن يرحمك من سماع أسطوانة (ظلموني) التي اتفقوا عليها جميعا على ما يبدو.

هنالك شيء آخر مثير للسخط: لقد وضعوا ظهور الحمير هذه بنفس لون زفت الطريق، ولم يضعوا أية علامة تحذير تذكر. وكانت أول ضحية شابا رقيعا آخر وجد نفسه يحلق لأمتار كي يقبل الأرض الخشنة الصلبة. وقبل فترة قصيرة فقط، تذكروا أنه لا تزال بضعة دراهم لم تختلس من الميزانية بعد، فقرروا أنه قد حان الوقت لصباغة الحدبات أخيرا.

ربما يكون هذا مثالا بسيطا من بين أمثلة أكثر خطورة. أنظروا معي مثلا ماذا حدث بعد تفجيرات 16 مايو الشنيعة.. أرادت السلطات القضاء على الخلايا الإرهابية، فكادت تقضي على الإسلام كافة. وأصبح وضع اللحية شبهة تفوق شبهة المتاجرة في الحشيش.. تعرفون النكتة الشهيرة: “خرج رجل تقي ملتح من صلاة الفجر صباحا، فوجد في طريق عودته رجلا سكيرا.. فلما رآه الأخير صرخ في وجهه أن اذهب لتختبئ فسيارات الشرطة تتجول في المكان! ثم حمل لفافة حشيش وجلس يدخنها في أمان!”.. ثم بعد الحادثة صوت مجلس النواب على أحقية أي شرطي بأن يقتاد أي شخص كان إلى قسم الشرطة بتهمة الاشتباه بتورطه بالتفجيرات.. هكذا يمكن أن تجد الجزارين والبقالين يملئون السجون نتيجة للاشتباه في تفجيرهم لجيوب رجال الشرطة بالديون المتراكمة على الدفاتر الصغيرة.. ولم يعد أحد لفترة لتا بأس بها يستطيع مناقشة شرطي في شيء ما يدعى حقوقا!

والنكتة الأخيرة هي مشروع الـ 1000 مهندس في غضون 2010. حاليا في المغرب، هنالك ما يقرب من 4500 مهندس يتخرجون سنويا، وقد تم تجهيز مشروع لمحاولة الوصول إلى عتبة العشرة آلاف مهندس سنويا. كيف؟ الجواب عن أصحاب الجواب سهل وبسيط دوما: “نتجه نحو الجامعات.. وبدل أن نسميها إجازة في بعض التخصصات، نسميها دبلوم مهندس!”..

هذا رائع وبديع.. أتمنى فقط أن أرى مستوى جيل مهندسي (التيك أوي) هؤلاء، وهل سيمكن مقارنتهم بمستوى خريجي المدارس العليا.. والأهم: هل سيجدون سوق تشغيل تتسع لهم أصلا!

————————————-

(*) لو سمعت : (السعادة) يمتطي (درغال) فلن يصنع هذا فارقا كبيرا.. أين الفرس وأين الفارس؟ هذا سؤال يؤرقي دوما في مسابقات أسبوع الفرس 😀

2 تعليقان

جنة المواصلات

إن أفضل وآمن وسيلة للسفر بهذا البلد السعيد هي الطائرة، كيفما كان نوعها: نفاثة، أو طائرة ركاب، أو مروحية. وحتى لو تم إطلاقك شخصيا في الهواء بواسطة مدفع ما ، وكفلت لك سلامة الهبوط، فذلك أسلم لك من محاولة استعمال وسيلة أرضية. يبقى العائق الوحيد هنا هو السلامة المادية التي تقف في مواجهة السلامة الصحية. لذا يتجاهل المواطن العادي وسيلة التنقل هذه، محاولا إقناع نفسه أن الأخوان (رايت) لم يولدا قطا، وأن الطائرة مجرد خيال علمي أو أسطورة من أساطير الأولين!

وحينما تنزل شيئا ما، أو أقول تهوي، في السلم الاجتماعي، فيمكنك أن تقرر المرور إلى القطار كوسيلة بديلة تكفل حدا أدنى من السلامة والراحة. هذا لو تحدثنا عن الدرجة الأولى. أما لو اخترت الدرجة الثانية – ومن ذا الذي يختارها برغبته! – فيمكنك أن تهنأ بقدر لا بأس به من الراحة في الأوقات العادية.. تلك الراحة التي ستدفع ثمنها غاليا في أوقات الذروة. أما لو كان الزمن عيدا أو مناسبة من هذا القبيل، فلن أضمن لك أن تجد لأصبعك الأصغر مكانا غير أنف أحد الركاب المجاورين، أو يجد هو لكوعه مستقرا سوى ببطنك.
ثم إن ترف ركوب القطار هذا مقتصر على منطقة المغرب النافع كما يسمونها، حيث لو أردت أن تذهب بالقطار أبعد من مدينة مراكش جنوبا، فعليك أن تصنع بجسدك وجسد المواطنين الوطنيين رفقائك تتمة للسكة الحديدية، لو كنت من المتحمسين لتقدم البلاد، وذلك بعد أن يئسنا من المشروع الذي سمعنا عنه منذ بداية التسعينات، والذي يتحدث عن سكة حديدية تصل إلى مدينة العيون..
لا بأس.. نحن دوما متفائلون بمغرب الغد:
تطلعنا إلى عشرة ملايين سائح في أفق ألفين وعشرة، ويبدو أننا لن نحصل منهم أكثر من النصف، مع العلم أن أكثر من نصف النصف هذا عبارة عن مهاجرين مغاربة أصلا، ولا نزال متفائلين..
تطلعنا إلى استضافة كأس العالم ألفين وستة، فجهزنا ملاعب خربة، وقدمنا وعودا خرافية للفيفا لم نفي بنصفها، وحصل الألمان عليها، ولا نزال متفائلين.. فقمنا بالترشيح لألفين وعشرة، وقلنا أن الثالثة تابثة.. وتداركنا بعض الأخطاء لنقع في أخرى أشنع.. وارتكبنا خطأ سياسيا جعل ماما أمريكا تسحب دعمها لترشيحنا، فصفعتنا جنوب إفريقيا على قفانا.. لكننا لا نزال متفائلين..
توقفت جل المنشئات التي كانت مرتبطة مباشرة بالمونديال، ولا زلنا متفائلين..
بدات الشركات الوطنية تعاني من المنافسة الشنيعة للبضائع الأجنبية بعد أن بدأنا فتح السوق على مصراعيها، وعما قريب ستبتلع تماما أمام الاكتساح الأمريكي المرتقب، ولا تزال تجد متفائلين..
لقد حققنا الإكتفاء الذاتي، وأكثر من الإكتفاء الذاتي، من التفاؤل. وعلينا أن نبدأ بالتصدير للخارج..

ما علينا.. فلنبق متفائلين، ولنبحث عن جواب للسؤال التالي: ما الحل لو كنت ستتجه إلى منطقة جنوب مراكش مثلا؟
الجواب البسيط الواضح المباشر الذي حاولت كثيرا التهرب منه ولم أفلح، هو الحافلة..
لن أنشر الغسيل الوسخ هنا وأتحدث عن حافلات النقل القريب التي تعد علب الصفيح جنة الله في الأرض مقارنة بها.. ذلك النوع من الحافلات الذي يترك فيه بين الكرسي والآخر أمامه مسافة تكاد تكفي لعجن قدميك بالقوة الجبرية، لو كنت من سعداء الحظ ذوي القامات القصيرة. أما لو كنت طويل القامة فلن تجد حلا سوى أن تضع قدميك مؤقتا مع حقائبك في مخزن البضائع بالأسفل! هذا تفاديا لأن تثقب الكرسي الأمامي بركبتيك وتهشم للجالس به عموده الفقري.. لن أتحدث عن هذا النوع من الحافلات التي يمكن لمساعد السائق (الكمسري، أو الغريسون) فيها أن يبصق على وجهك في أية لحظة مطالبا إياك بالنزول لأنك لم تخبر سعادته بأنك ركبت، ولم تدفع ثمن التذكرة الذي يحدده بعد.. هذا النوع من الحافلات يختفي تماما بالمناسبة من المحطات في الأعياد والمناسبات، وذلك لأنه لا يدخلها إطلاقا، بل يعبىء الركاب من خارجها بأثمنة فلكية.. حسنا، أعدكم بأنني لن أتحدث عن هذا النوع من الحافلات.. فلحسن الحظ، هنالك الآن نوع آخر من الحافلات المخصصة للمسافات البعيدة، وتتحرك ليلا في غالب الأحيان.. هذا النوع الذي ألفناه كطلبة منذ فترة لا بأس بها، وقد كان يفي بالغرض تماما، ويكفل الحد السفلي من الراحة على الأقل إلى حد قريب.. لكن السعادة الأزلية أصبحت ترفا بعيد المنال.. فقد بدأت هذه الحافلات تتقادم، وبدأت الأعطاب الداخلية تظهر قبل الخارجية، وأصبح احتمال التوقف في الطريق أكثر من احتمال التحرك..
في آخر مرة سافرت فيها نحو الرباط، قطعنا ما يقرب من السبع ساعات بين مدينتي تيزنيت ومدينة أكادير.. مع العلم أن المسافة الفاصلة هي مائة كيلومتر لا غير.. لو كنا أخذنا المسافة جريا خفيفا لكنا قد وصلنا قبل ذلك بكثير!!
ولا داعي للحديث هنا عن شركة محترمة كستيام مثلا لأن أثمنتها الفلكية تلجم الألسن الشعبية البسيطة قطعا..

هذا ما رأيناه من نافذة المواصلات.. فليذبح الديك إذن، ولنخرس عن الكلام غير المباح..

6 تعليقات

الشعب في جزمة الشرطة

في بلادي السعيدة، وقس على ذلك في باقي بلداننا الشقيقة الأسعد، ما إن يرتدي أحدهم زيا رسميا، ويحصل على رتبة عسكرية، حتى يرقي نفسه أوتوماتيكيا من مرتبة البشر الفاني إلى مرتبة آلهة السلطة (بضم السين لا فتحها).. فتبدأ بسماع أحاديث من طراز:
– ” استوقفني دركي وغد في الطريق.. لقد ظن أنني مجرد مدني!”
-“ألم يلاحظ ترقيم سيارتك؟ ”
– “كنت أسوق سيارة صديق”..
-” قد مسحت به البلاط طبعا بعد أن عرف رتبتك..”
– “وهل في ذلك من شك؟ ”
إن قانون هذه البلاد يطبق على المدنيين الأوغاد فقط، وذلك وفقا لمرشحات الطبقات الاجتماعية والعلاقات السياسية والسلطوية..

* * *

في جلسة عائلية بمدينة طنجة، حضرت حوارا يستعرض فيه شرطي مرور إنجازاته العظيمة.. تحدث عن سائق سيارة الأجرة الوغد الذي، تصوروا، تجرأ وطلب منه أجرة التوصيلة.. ثم أخرج وريقة صغيرة بها لائحة طويلة لأرقام سيارات الأجرة التي على سائقيها الزناديق دفع ثمن غلطات شنيعة من هذه العينة.. وهي لائحة تتبادلها شبكة شرطيي المرور بالمنطقة كلها.
حاولت للحظات أن أستوعب طريقة تفكير هذا المخلوق ففشلت . ولما كنا ضيوفا في منزله، فقد عبرت بملامحي عن الامتعاض، وقلت متهكما:
-“سائقوا الأجرة الأوغاد هؤلاء يستحقون الإعدام حقا!!”
أمن الرجل على كلامي بإيماءة من رأسه، فأثبت لي أنه بالإضافة إلى شخصيته السايكوباثية يتمتع بجرعة غباء منقطعة النظير..

* * *

لو كنت متحمسا، أنصحك بالتجربة التالية:
ارتدي ملابس رثة نوعا ما، تبدو عليها البساطة والقدم، وادخل قسم شرطة لأي سبب من الأسباب.. ثم تعامل مع أحقر رتبة هناك بقدر من اللامبالاة..
تمتع بالتجربة واحكي لي..

* * *

قصة واقعية غاية في الطرافة حكاها لي والدَي:
خلال إحدى الجولات، مد أبي يده في حقيبة أمي كي يخرج حاملة نقوده، فقبضت يد خشنة معروقة على معصمه..
كلا!! لم يكن شرطيا كما لكم ان تتوقعوا.. كان مجرد متشرد أصر على أن:
-“عالى هنا أيها اللص!”
أجابه أبي بلباقة بأنه ليس لصا، وأن هذه السيدة زوجه. وأكدت أمي الأمر، لكن…
– “قلت لك أنك لص!”
طالبه أبي بلعن الشيطان وترك معصمه، لكن الرجل كان مصرا كخنزير بري، ملتصقا بمعصمه كعلكة..
اقترب شرطي مرور كان واقفا بالجوار.. تساءل عن المشكلة فكان الجواب الأزلي الذي لا يتزحزح:
– “هذا الرجل لص أراد سرقة محفظة نقود هذه السيدة..”
طفح الكيل بأبي فقال:
– “أعوذ بالله من الحمق! هناك رابط اسمه الزواج يسمح لي بأن أضع يدي في حقيبتها متى أشاء..”
تأكد الشرطي من المسألة، فلم يجد بدا، أمام إصرار المتشرد من إعطاء إشارة إلى أقرب سيارة شرطة تمر بالمكان..
وحال وصولها، حاول مفتش تسوية الوضع، لكن المتشرد دفع بعنف يد أول من حاول لمسه، وأطلق سبة ما..
حينها حمل قسرا إلى السيارة، وطولب أبي وامي باللحاق بها إلى قسم الشرطة لتسوية المحضر..
حين وصلوا، لاحظ أبي مع نزول المتشرد، أن ملامح الأخير كانت قد تحولت إلى عجينة وصلصة دماء.. فلما قال أنه يتنازل عن المحضر في محاولة إنقاذ البقية الباقية من المهلوق البائس من أيدي هؤلاء الوحوش، أخبروه بأن بإمكانه التنازل والانصراف لو أراد، فقد وجدوا بحوزة الرجل مخدرات يتاجر بها، وقد حاول الهروب من السيارة في الطريق فاظطروا آسفين إلى التعامل معه.
تطلع والدي إلى هندام المتشرد.. لو كان هذا الرجل يتاجر بالمخدرات فإن شارون يعتنق الديانة الإسلامية..

خلاصة القصة وعصارة أفكارها:
لا تطلق بحياتك سبة في وجه رجل شرطة لأن هذا غير صحي في الغالب، وقد ينتهي بك في السجن لسنوات بتهمة التآمر وقتل (كينيدي)، هذا إن لم تمض ما تبقى من حياتك في قالب جبس..

* * *

تجربة أخرى:
ارتد الآن بذلة سوداء فاخرة، وساعة ذخبية أفخر، ونظارات سوداء.. باختصار: تحول إلى نسخة من 0ويل سميث) في فيلم “رجال بالأسود”.. ثم كرر تجربة دخول قسم الشرطة.. زد من جرعة التكبر، لكن باختيار أكبر رتبة في المكان هذه المرة.. وتمتع بتجربة الأمراء..
لا تنسى أن تخبرني بالنتيجة..

* * *

قرروا في يوم من الأيام أن علينا أن نتطور: يجب أن يصبح لدينا شرطيات مرور..
ألبسوهن زيا غريبا بـ(تنورات) أغرب تذكرني بتلك التي تلبسها فرق النفخ الأسكوتلندية.. بالإضافة إلى طرابيش من النوع الذي يفضله (شارلي شابلن).. ثم وضعوهن في منتصف الطريق بصفارة..
لا داعي لوصف حالة الطرق بعدها.. جيوش من شباب لا هم له ولا شغل ولا شاغل سوى الجلوس بقرب الشرطيات الشابات للتودد إليهن تارة، وللسخرية تارة بإطلاق زغاريد في مطالبة صريحة لتخلي الشرطية عن الصفارة والاكتفاء بالزغاريد..
اضطرت السلطات بعدها إلى وضع رجل أمن مخزني بجانبها.. شيء أشبه بكلب الحراسة لو سمحتم لي بهذا التشبيه..

* * *

قبل محاولات الانقلاب الشهيرة، كان هناك تهميش واضح لرجال الأمن مقارنة برجال الجيش، سواء من ناحية المعاملة أو من ناحية الميزانيات..
كانت أيام يعاقب فيها رجل الجيش إن سمح لشرطي حقير بأن يعطيه مخالفة أو يسحب رخصة قيادته.. وهذه وقائع سمعتها من رجل جيش قديم بالمناسبة..
لذا تكون لدى رجال الشرطة حقد دفين، وحاجة شديدة بسبب ضعف تعويضاتهم المادية والعلاوات وما شابه.. والضحية هي الشعب طبعا..
الآن انقلب الوضع، فكل الامتيازات سحبت من رجال الجيش لتعطى لرجال الأمن، خصوا بعد إلغاء منصب وزير الدفاع نهائيا.. لكن الطبع يغلب التطيبع.. لذا استمر رجحال الشرطة والدرك في عادات الابتزاز الشعبي، واستمرت ضرائب المرور على شكل أوسع..واستمر توزيع الغنائم..
كل يحصل على نصيبه: السائق يدفع الضريبة.. الشرطي أو الدركي يدفع نسبة لرئيسه المباشر، الذي يدفع بدوره نسبة عن مداخيله لرئيس القسم.. وهكذا دوالك.. فتأصلت هذه الشبكات وتثبتت أقدامها..
ولا داعي للحديث هنا عن السلع المهربة التي تصادر كل يوم بعلم وبدون علم.. ولا داعي للحديث عن كبار رجال الشرطة الذين اكتشف فسادهم واشتراكهم في مساندة شبكات التهريب في المدن الشمالية..
صدق المثال الشعبي القائل: “حاميها حراميها..”.

* * *
هل سبق لكم وسمعتم باختبار البيبسي؟
أحضر متهما عاريا!
أحضر قارورة مياه غازية!
أنت الآن تملك كل مستلزمات الاختبار..
لا داعي لتخبرني بنتيجة التجربة..

* * *

قصة طريفة أخرى من ذكريات الماضي:
تسلل متشرد يوما إلى السطح شقتنا في العمارة الصغيرة التي كنا نقطن بها سابقا..
وجد هناك أرانب كنا نربيها، فخنق واحدة..
وجد فرنا غازيا، فرمى الأرنب المخنوق به ليؤمن وجبة العشاء..
وجد سريرا قديمة ومخدة أقدم، فمدد جسده بعد اللأكل ونام بعمق كأنه في جنة أبيه..
الحقيقة أننا وفرنا كل سبل الإستجمام والراحة لمن يريد أن يقتحم سطحنا عنوة..
وفي الصباح الباكر، صعد أبي إلى السطح كي يطعم الأرانب، ففوجئ بالمتشرد الذي أصيب بالذعر بدوره لسبب لم أفهمه إلى الآن.. ربما طن أن الحياة رائعة إلى حد أن يجد كل ما وجد متاحا له كي يتمتع به أبد الدهر..
المهم أنه التقط عمود مهراز (*)، ورمى به ليصيب أبي برأسه..
ماذا يفعل عمود المهراز في السطح؟ إذا كنا كل ما سبق متواجدا في السطح، فلماذا يبدو تواجد مهراز شيئا غريبا!
لا داعي لتساؤلات كهذه..
ترنح أبي، وفر راكضا إلى الأسفل والعالم يدور من حوله.. لم ينس أن يغلق البوابة الرئيسية للسطح كي يحبس المتشرد..
أبلغ رجال الشرطة، وحضرت الاسعاف لتقله ليعالج.. أما رجال الشرطة البواسل، فقد وقفوا بجانب بوابة السطح يناقشون الامكانيات والسبل والخطط الحربية للدخول والقبض على متشرد مسلح بعمود مهراز من طراز (باطريوت) بعيد المدى.. ولولا غضب أمي، وحماسها للدخول بنفسها لو لم يفعل أحد شيئا لما جرؤ أحد على الحركة.. مما يثبت أن بعض رجال الشرطة يصلح لبيع الباذنجان بعيدا عن قرف المهنة..

خلاصة القصة وعصارة الأفكار:
حينما تواجه مشكلة فلا تستنجد برجال الشرطة لأنهم يستهلكون أوكسيجين المكان فحسب..

* * *

أفاق الجميع بعد أحداث 16 ماي ليكتشفوا اننا مهدد بالفعل، وأن الأمر لم يعد مجرد مزاح.. فلم نعد بحاجة فقط للحفاظ على المظاهر، وارتداء الأزياء الرسمية فوق الكروش الضخمة، ووضع اللعب السوداء للتخويف بدل الأسلحة..
لذا كانت الضرورة ملحة لتكوين فرق شرطة خاصة جديدة، مدربة وشرسة.. فرق أسماها الشعب بـ(كروايتا)، نظرا لأن زيها الرسمي يحوي أشكالا مشابهة للعلم الكرواتي..
الكلمة الآن تعتبر سبة يعقب عليها القانون لو ضبطك أحد رجال هذه الفرق تلوكها في لسانك.. رغم أن رجال الشرطة في فرنسا أو أمريكا مثلا ينعتون بما هو أشنع من ذلك..
إن للقانون في بلادنا عجائب حقا..

يبدو أن اسمي سيكتب عما قريب في وريقة صغيرة بها لائحة أسماء المطالب بعصرهم.. لكنني لا أملك سوى أن أصرخ بالأغنية الجماهيرية الشهيرة في حالات الإضرابات والشغب:
-“الليلة زاهية.. جيبوا كرواتيا!!”..

8 تعليقات

محضر غير رسمي

من المفترض أن يكون هذا باباً ساخراً.. لكنني أكره دخول البيوت من أبوابها.. لأن هذا يكون غير صحي في أغلب الأحيان كما تعلمون.. لا أحد يدخل بيت أحدهم من بوابته ليسرق أسراره ويفضحه على الملأ.. لذا فالدخول السري من النافذة يناسبني أكثر..
هذه إذن نافذة ساخرة.. والنافذة الساخرة غير النافذة الكوميدية.. فمن كان يتوقع أن ينقلب على ظهره من الضحك فلن يجد ضالته هنا.. لأن الواقع أشبه منه بكوميديا مبكية أكثر منه بكوميديا مضحكة..
فلنطل معا من النافذة و لنسترق الرؤية..

Interrogation

س: اسمك؟

ج:شاب مغربي، وربما يمكنني أن أضيف بكثير من الحذر أنني عربي..

س: سنك؟

ج: يتراوح بين السادسة عشر و أبعد حد يمكنك تصوره عن الشباب.

س: جنسك؟

ج: ذكر أو أنثى أو ما بينهما.

س: ماذا تقصد بما بينهما؟

ج: لو استبعدت نظرية الخنثى، وهي ظاهرة طبيعية لا يد لنا فيها، فما يتبقى لديك من خيارات ليس مستعصيا على الفهم.

س: مهنتك؟

ج: “بدون”..

س: !!

ج: “بدون”.. هذا ما وضع في بطاقتي الشخصية.. لو دققت في لهجتنا الدارجة ستكتشف أن الكلمة معناها وعاء أجوف.. وهذا لا يبتعد كثيرا عن الحقيقة..

س: شهادتك؟

ج: شهادتي متواضعة لا تسمح بترف الحصول على مهنة مناسبة في هذه البلاد السعيدة.

س: ما طبيعة الشهادة بالضبط؟

ج: دكتوراه في الفيزياء النووية.

س: من (نبوية) هذه؟!!

ج: رحم الله علمك يا (عادل إمام).

س: متزوج؟

ج: إلى أية لغة تنتمي هذه الكلمة؟ معذرة فهناك مصطلحات عدة نزعت صفحاتها من القاموس.. كلمات كزواج واستقرار وحب وحياة وكرامة وإنسانية وعرب.. واللائحة أطول من شريط الحدود الذي يطوقنا.

س: بصفتك شابا محافظا، ماذا تفعل كي تخرس رغباتك الداخلية ما دمت غير متزوج؟

ج: يمكنني القول بأنني أمارس رياضة عنيفة أفجر بها كل هذه الطاقات.. هذا ما يقولونه جميعا.. لكن الكل يعرف أن الطاقة أنواع، و أنا أعلمكم بذلك بحكم تخصصي.. لذا لا داعي للنفاق.. يمكنني القول أيضا بأنني أعتصم بحبل الله وأتعبد وأتناسى شهواتي.. لكن الجميع يعلم أن من ينطبق عليهم الوصف هم صفوة نادرة في العالم.. وطبقا للقواعد الإحصائية، يمكنني أن أقول بأن احتمال انتمائي لهذه الفئة يؤول إلى الصفر.. ثم من الذي يضمن لكم ما أفعله حينما أختلي بنفسي؟

س: بصفتك شابا غير محافظ، ماذا تفعل كي تخرس رغباتك؟

ج: قرأت مؤخرا مقالة لـ(سناء العاجي) مفادها أن الزواج أصبح عبارة دعارة مشروعة.. وبما أننا في زمن اختلطت فيه المفاهيم وغاص المشروع في بحر اللامشروع، فأصبحت “الضرورات تبيح المحذورات” القاعدة بدل الاستثناء، فلماذا أتزوج؟ يمكنني أن أفعل ذلك دوما مادمت أستعمل العازل الطبي.. هذا ما لا يكفون عن قوله بالتلفاز..

س: يحدث كثيرا أن تصل درجة التواصل بين كائنين من سنك إلى أن يفصل بينهما سنتيمتران.. وغالبا ما يكونان من جنسين مختلفين.. هل لك أن تشرح لنا النظرية؟

ج: يمكنك في هذه الحالة أن تطمئن إلى المستقبل التربوي للجيل. الفتى والفتاة ملتصقان في حوار ثقافي حتما، والأول يوزع نظراته بعدل غير مسبوق بين جنبات جسد ربع مستور، والثانية تعاني من أعراض أزمة القماش، أو لربما ارتدت سروال جينز من نوع اخنقوني.. ذلك النوع الذي يبدو كغرفة مساحتها 3 أمتار مكعبة يسكنها رجل وزوجته و عشرة أطفال، بالإضافة إلى البواب. أتمنى يوما أن أفهم السر الذي يستطيع الفتيات به ارتداء هذا النوع من السراويل، و الأخطر من ذلك خلعها.. يخيل لي أنها من النوع الذي لا يخلع إلا بالمشارط.. يعني يستعمل لمرة واحدة فقط، ثم يرمى في مكان صحي بعيدا عن متناول الأطفال كالأدوية تماما..

س: هذا يدفعنا إلى الاستفسار عن موضة السراويل الجديدة.. كيف يمكنك أن توضح ما خفي عن أعيننا القديمة الرجعية؟

ج: هناك أنظمة عديدة تتنافس حاليا.. فبالإضافة إلى نظام قطع التنفس السابق ذكره، هناك نظام الجينز الذي يستعمل في وقت الفراغ كماسح أحذية.. وهناك نظام الجينز الذي سقط في ماء جافيل بشكل من الأشكال.. وهناك الأنظمة الجديدة الفريدة كنظام اليدين المطبوعتين بمؤخرة السراويل و التي أتمنى أن يشرح لي أحدهم معناها.. هل هو ضع يدك هنا؟ أم ممنوع اللمس أو الاقتراب؟.. هكذا يستطيع كل شخص تحديد موقفه من القضية بوضوح، ونتفادى الوقوع في مشاكل سوء الفهم أو الفهم أكثر من اللازم..

س: أنت خبير موضة إذن! ما رأيك هذه المرة بالنصف العلوي لألبسة فتيات العصر؟

ج: باختصار.. هي مجموعة من الخيوط التي تتنافس شركات ومصانع الألبسة في تشكيلها حسبما تشاء. إن أزمة الأثواب كما تعلم قد مست كل شرائح المجتمع.

س: وما قول الشاب المحافظ الذي هو انت قطعا بالأمر؟

ج: هل سمعت من قبل عن تبرج الجاهلية؟ كانت متبرجات الجاهلية تلبسن أثوابا فضفاضة نصف شفافة تبرز مفاتنهن.. لقد تعدينا هذه المرحلة منذ فترة لو كنت تلاحظ، وهذا يعني بالضرورة أن جاهليتنا أشنع..

س: ما رأيك كمحافظ أيضا بـ (نانسي عجرم) ؟

ج: أقول أعوذ بالله من غضب الله.. لكن هذا لن يمنعني من أن أفكر بها حينما أختلي بنفسي..

س: ما قول الشاب غير المحافظ الذي هو انت بالتأكيد في (نانسي عجرم) ؟

ج: أقول اللهم عجرم نساءنا!

22 تعليق

ذكريات بَرَد..

إن الجلوس تحت زخات المطر قد يبدو شاعريا بالنسبة لبعض المصابين بداء الرومانسية.. لكنني أراهن أن الجلوس تحت زخات البَرَد لن تكون بنفس القدر من الإمتاع.. المتعة الوحيدة حينها هي متعة الاستلقاء بسرير معتبر بأقرب مستشفى بعد أن شجت رأسك..
أجلس الآن تحت حاجب شمسي أمام مقهى بالكامبوس (COMPUS)، ولا أجد ترجمة مناسبة للكلمة، و أنا أرمق ثاني أغزر زخة بَرَد رأيتها بحياتي.. هذا يذكرني بتجربة قديمة لم تكن سارة على الإطلاق..
كنت صغير السن حينها، وكنت في القرية التي ترعرع بها والدي، والتي ألفت قضاء عطلة الصيف بكاملها بها بصغري.. الحقيقة أن والدي كانا يتخلصان مني بعض الوقت حينها كي يتمتعا بعطلة هادئة.. لكنني كنت أستمتع حقا بالمقام هناك.. حيث الحرية والإنطلاق.. حيث تنظف أذنيك بتغريد ألف طير، وأنفك بعبير ألف زهرة..
لي ذكريات شجية هناك ربما أحكي المزيد منها لاحقا على أسلوب (طه حسين)، لكن هذه التجربة لم تكن أكثرها إمتاعا.
كان الجو هادئا حينما خرجت وابن عمتي (يونس) الذي أكبره بشهرين، في حين تصغر أختي أخاه بنفس الفارق. يبدو أن أمي وعمتي كانتا متفقتان على هذا الفرق الزمني بشكل يسمح لجدتي، أطال الله عمرها، بأن تهرول بين مراكش وتيزنيت كي تحضر الولادات الأربع.
كنا نسوق الحمارة التي كنا نحولها إلى حصان بشكل إجباري وذلك بممارسة جميع أنواع الشك والقرص والضرب بسادية طفولية لا بأس بها، بشكل كان سيسمح لمنظمات حقوق الحيوان بإعدامنا بضمير مرتاح.
و بعد أن حمٌلها عمي بالحشائش التي حصدها، عدنا ونحن نستلقي في الدور الرابع فوق الحشائش فوق الحمارة.
بدأت ألاحظ كتل الغيوم التي كان سوادها شديد القتامة، والتي تقترب بسرعة غير مريحة. لفت نظر (يونس) إلى ذلك، فأطلق عبارة ما عن أولاد المدينة المدللين، وعن هستيريا الرعب التي يعيشونها مع أول حدث غير مألوف.. فأقفلت فمي حانقا..
ولكم أن تتوقعوا ما حدث بعد ذلك.. زخة مطر من أعنف ما رأيت بحياتي، تلتها زخة برد من النوع الذي يخترق الجسد ذاته.. الإظلام تام، والحمارة أصيبت بالعته والحمد لله، فلم تعد تعرف شمالا من جنوب.. لم نعد ندري أين نختبئ.. كنا بعيدين عن البنايات، والحمارة لا تريد أن تتوقف كي نختبأ تحت جبل الحشائش ذاك..
تشتد موجة البَرَد على ظهورنا فنركض إلى الأمام في نفس اتجاهها قصد تخفيف ضررها..
صراخ.. بكاء.. عويل.. ضحك.. ونهيق..
كل شيء امتزج بشكل غير عادي.. تصوروا حمارة تحاول أن تنهق.. هذا يعطيكم فكرة عن الوضعية..
وفي النهاية وصلنا إلى البيت بمعجزة ما، ووجدنا الجميع قلقين، وقد خرج البعض للبحث عنا بعد أن استغرقنا أربع ساعات في رحلة عودة تستغرق نصف ساعة عادة..
الحمارة؟ طبعا تركناها وفررنا بجلودنا.. ماذا كنتم تتصورون؟ وقد وجدوها لاحقا في مكان ما تتقاذفها جذوع الأشجار..

الخلاصة أنها كانت ليلة أسود من البترول ذات نفسه.. ليلة حلمت فيها بجلاميد من مختلف الأحجام تمتع نفسها بشج رأسي واختراق ظهري..
أحلام مبهجة بالفعل..

8 تعليقات

الأريحية التحضرية في زمن العولمة الغربية..

العولمة..
في التلفاز.. في المذياع.. في الجرائد والصحف.. على الإنترنت.. على المقاهي.. في الحمامات ودورات المياه.. أصبح الأمر لا يطاق حقٌاً!!

لا أحد يعرف المعنى المحدد للكلمة، والكل يلوكها في حديثه في نفس الوقت!!
أنا سأقول لكم معنى العولمة.. انسوا السياسية.. انسوا الاقتصاد.. انسوا العبارات الرنانة من طراز الاجتياح الاقتصادي.. انسوا المقررات الجافة وتعريفات من طراز القرية الصغيرة التي لن يكون العرب فيها سوى النعاج ومن سواهم الرعاة أو الذئاب في أفضل الأحوال.. انسوا كل هذا.. العولمة هي كل شيء غير طبيعي يحدث حولنا!!

العولمة هي أن تدخل بيتك في منتصف الليل لتكتشف أنك أول الواصلين، وأن زوجتك لا تزال في عشاء عمل.. العولمة هي أن تحتاج لمرشح لقطات كي تستطيع مشاهدة التلفاز مع أسرتك بسلام.. العولمة هي أن توصل ابنتك إلى حفلة راقصة في التاسعة ليلا، وترجوها أن تعود إلى البيت قبل الواحدة حفاظا على سمعتك في البلد..

العولمة هي أن يكون الكلب الساخن هو وجبتك المفضلة مقدمة إليك من محلات (الأسطى) ماكدونالد.. والكلب الساخن هنا، لمن لم يتشرف بمعرفته بعد، هو ما يصطلح على تسميته بـ(الهوت دوغ).. هذه هي ثقافة التحضر الحق حسب آخر المعايير العالمية الأمريكية.. والدولة التي تعترض وتحاول الحد من هذه المظاهر ما هي إلا دولة متخلفة لا تستحق أن تعيش في عصر التحضر..

فلنترك كل هذا ولنلق نظرة على نافذة الشريحة الأكثر تأثرا بثقافة العصر.. دعونا ندخل أول مدرسة ثانوية تقابلنا.. أدر عينيك يمنة ويسرى! لقد تم فرض نظام اللباس الموحد منذ فترة قريبة لمحاولة الحد من مظاهر الفروق الطبقية.. هذا صحيح ويدل على بعد نظر كبير.. ففتياتنا يا سادة لا يجدن الدعم المادي الكافي ليسترن أجسادهن شبه العارية.. يبدو أن أزمة الأثواب قد وصلت إلى حد مستفحل حقا حتى مست أغنى الأغنياء في البلد.. فبعد أن كانت الفتيات يلبسن (الماكسي جيب).. ضاق الحال بهن فاضطررن إلى ارتداء (الميني جيب).. و حينما استفحلت الأزمة بشدة لم يجدن بدا من ارتداء (المايكرو جيب) وذلك حفاظا على ثروة الأثواب من الاستنزاف.. وأمام هذه الحال المزرية اضطرت الدولة إلى فرض اللباس الموحد في محاولة لكي لا تصل الظاهرة إلى مرحلة (اللا جيب)، و هي ظاهرة غير محببة إلى النفس خصوصا في بلد (((مسلم))) كبلدنا..

ولكن الضمير الحي لفتياتنا لم يترك الأمر يمشي على ما يرام، فقد أخذت الغالبية العظمى منهن لباسها إلى الخياطين، وطلبن منهم أن يختصروا ما استطاعوا وباقي الثوب حلال عليهم.. لذا فقد عمل الخياطون بكل حماسة طبعا وعادت (الميني جيبات) إلى الميدان من جديد..

والظاهرة غير الطبيعية التي عشتها بنفسي ولا زلت لحد الآن لا أصدقها هي أنه في إطار حملة الدولة للحد من مرض الإيدز، قامت بدورات توعية على مستوى المدارس الثانوية، وفي نهاية العروض كانت هناك حملات خيرية لتوزيع العوازل الطبية على المراهقين مجانا.. وهذا مجهود يشكرون عليه وسياسية فذة قد أثبتت نجاحها في الحد من نسبة المراهقين المصابين بالمرض، ونجاعتها في الرفع من نسب الفساد في آن واحد.. ومن دواعي السخرية أن نتحدث الآن عن شيء اسمه شرطة محاربة الفساد.. يبدو أن الشرطة من الآن فصاعدا ستدخل إلى بيوت الفساد، وتلقي القبض على كل المجرمين الذين لا يضعون عوازل طبية ويتركون المواطنين الشرفاء الواعين يمارسون حقهم المشروع في الحياة ما داموا يضعون العوازل.

من نوافذ الحياة سترى العجب!!
فعلى ماذا ستطل النافذة القادمة يا ترى؟
من يدري؟

5 تعليقات

ترررن ترررن.. تربن تربن.. (على رأي سعيد صالح)

تعرفون قصة نيوتن مع التفاحة بالتأكيد.. لابد و أن الجميع سمع عن هذه القصة الظريفة التي يكون فيها نيوتن مستلقيا تحت الشجرة فتسقط على رأسه تفاحة منها، ليصبح هذا الحدث الجلل من أهم الأسباب اكتشاف الجاذبية..
لا يمكنني أن أتصور وضع العالم قبل أن تكتشف هذه الأخيرة.. ربما كان الجميع يربطون أنفسهم بحبال إلى الأرض قبل ذلك كي لا يحلقوا في الفضاء.. أو ربما كانوا ينتعلون أحذية حديدية تزن مئات الكيلوغرامات.. لا أحد يعلم بالتحديد..
و لكن دعونا من كل هذا، فسأحدثكم عن قصة أخرى..
تسمعون بالتأكيد عن قصة مخترع الهاتف.. يقولون أن الرجل كان مستلقيا تحت شجرة بدوره في أحد الأيام الخريفية الرائعة، فإذا بهاتف يسقط فوق رأسه من الشجرة.. حادث طريف آخر كان الرجل بعده بحاجة إلى خياطة عاجلة لجرح رأسه قبل أن يتمكن من معاودة التفكير من جديد.. و أدت هذه الحادثة إلى إلهام كبير له كان السبب الأكبر في اختراع هذا الجهاز الفذ المسمى هاتفا..
و لكن الهاتف لم يلبث أن تطور، و تقدمت تقنيته.. وبعد فترة أصبحت حاجة ملحة إلى اكتشاف جديد يسهل الاتصال في أي وقت و أي مكان.. و أظن أنكم قد فهمتم النظام الآن. لذا لن أقول إن أحدهم كان نائما تحت شجرة فسقط عليه هاتف نقال مما أدى إلى اختراع هذا الأخير، فهذه الأشياء قد أصبحت بديهية الآن.
أصبح الهاتف النقال الآن شيئا عاديا في مجتمعنا.. و بعدما كان قبل سنوات معدودة عبارة عن وحش خرافي من الوحوش الالكترونية لأفلام الخيال العلمي، أصبح الآن امتلاكه متاحا لجميع الفئات: من رجل الأعمال الثري إلى رجل يبحث عن هذه الأعمال.. و من صاحب سوبر ماركت يبيع كل شيء من الإبرة للصاروخ، إلى صاحب دكان صغير يبيع كل شيء من رغيف الخبز إلى رغيف الخبز.. يمكنك الآن أن تشاهده في يد شيخ عجوز مصاب بالشلل الرعاش، كما يمكنك أن تجده في يد (مفعوص) صغير لا يزال يحاول أن يمشي لوحده دون أن يهشم رأسه..
و ما يثير الدهشة حقا هو هذا التطور المدهش في حجم و كفاءة هذه الأجهزة.. لا زلت أذكر هاتفي النقال القديم الذي يملك محبة خاصة إلى نفسي و الذي لا زلت أحتفظ به في درج مكتبي كما يحتفظ عالم الآثار بتحفة أثيرة. صحيح أنه أشبه بثلاجة منه بهاتف، كما أن أحد الأصدقاء يصر على تسميته ب” إبراهيم يرفع إصبعه ” ، إلا أن هذا لا يمنع أن له فوائد جمة تختلف تماما عما صنع لأجله.. ففي أوقات الشدة يتحول بقدرة قادر إلى سلاح أبيض قادر على شج أعتا الرؤوس وأكثرها صلابة.
أما أشنع تحول عرفه عالم الهواتف النقالة هو تطور الأحاديث المتبادلة. فبعد أن كان الجهاز يعتمد محادثات مثل:
– مرحبا..
– سيد (…) هناك اجتماع عاجل في الإدارة.. لذا نرجوا التحاقك بنا في أسرع وقت لو سمحت..
– حسنا.. أنا في طريقي إليكم.
أصبح الآن ينقل محادثات مثل:
– ألو!! (المقدمة المعتادة)
– آلو!!” (الجواب الروتيني)
– أنا حليمة يا مختار (كي لا يظن الزوج أنها خديجة زوجته الثانية في السر.. ظننت الأمر واضحا).
– أعرف يا حليمة.. أنا أرى أن رقم هاتف المنزل على شاشة هاتفي.. بالتأكيد لن تكون هيئة الإطفاء هي المتصلة..
– لن أفهم ذلك السحر الذي يعمل به ذلك لهاتف الذي تحمله أبدا..
– هذا أفضل..
– ماذاااااااا!!! (باستنكار)
– ماذا تريدين يا حليمة..؟
– هل تحب (الكرعين) بالحمص أم بدون حمص؟
– هل هذا سبب اتصالك الآن يا حليمة؟ (بسخط)
– أجل (بوداعة)
– إذن فلتكن (كرعين) بالفول السوداني..
– ماذا قلت؟!!!!!!
“لا يمكنكم الاتصال بمخاطبكم لأنه خارج نطاق التغطية…”

و هناك أمثلة أشنع لا يتسع الوقت و الخاطر لذكرها الآن..

ماذا لو تحدثنا قليلا عن تلك المسابقات الهاتفية الفظيعة التي تقوم بها جميع القنوات التليفزيونية لأجل عيون المواطنين. أعترف أنني كنت مغفلا كبيرا حينما بدا لي الجواب تافها في أحد مسابقات الفوازير، فقررت أن أشارك. اتصلت بالرقم المشئوم و الذي يكون دوما تذكره أسهل من تذكر اسمك ذات نفسه. و بعد لحظات انتظار قصيرة أتاني صوت رقيق لفتاة ترحب بي في برنامج الفوازير. كنت أتوقع أن يكون الصوت الذي يجيبني معدنيا كما يحدث في أي فيلم خيال علمي يحترم نفسه. إلا أنني تذكرت أن أحدهم أخبرني يوما أن الصوت يكون مبرمجا ليرد آليا على المتحدثين، و هو كلام لم أفهمه صراحة لأنني لم أكن يوما ممن يهتمون بالتكنولوجيا.
كنت أتجنب الاندماج مع صاحبة الصوت في محادثات جانبية غير ذات معنى، فلم أرد عليها التحية كي لا ندخل في مسألة التعارف و السؤال عن الحال و الأحوال و عن العائلة المحترمة و صحة الوالد و الجدة، و ربما ينقلب النقاش إلى سمر سياسي أو اقتصادي، أو أي شيء مبهج آخر تحاول الفتاة أن تسوقني إلى الحديث فيه كي أدفع تكلفة أكبر.. أنتم تعرفون أن الأذكياء مثلي لا يقعون في هذه المقالب الساذجة..
و لقد كانت طريقة تحديد الجواب سهلة جدا، فقد قالت الفتاة:
– مرحبا
صمت قصير كنوع من الإثارة و الترقب.. ثم:
– أنت معنا في مسابقة فوازير رمضان..
صمت قصير آخر..
صمت من فئة درهمين و نصف.. ثم:
– إذا كان اختيارك هو الجواب الأول، فعليك ضغط الزر رقم سبعة.. و إذا كان اختيارك هو الجواب الثاني، فعليك ضغط الزر رقم خمسة.. و إذا كان جوابك هو الجواب الثالث، فعليك أن تضغط الزر رقم عشرة (مهمتك أن تبحث عنه)..
المهم أنني لم أضغط أي زر بعد المكالمة، بل اكتفيت بارتفاع ضغط دمي، و بإصابتي بالفالج و بعض مقدمات الاكتئاب الانفصالي..

في الحقيقة، هناك الكثير مما يقال في هذا الموضوع، و لكن هذا يكفي الآن. علي أن أرحمكم قليلا على ما يبدو..

4 تعليقات